ـ[مرهف]ــــــــ[13 Nov 2005, 05:20 م]ـ
أخي الكريم عبد الرحيم جزاك الله خيراً على ما قدمته في هذه القراءة وأرجوا أن تكون محل عناية ونظر من الأخوة أعضاء الملتقى، ولكني أحببت أن أشارك برؤوس أقلام في هذه الآية وأرجوا التمعن والتأني فيها، فهذه الآية يستدل بها كثير من دعاة وحدة الأديان إلى ما يريدون، وكذلك يستغلها ـ مع بترها عما بعدها ـ المستشرقون لاستمالة المؤمنين والتشكيك بالإسلام وتدعيم المسيحية التي يعتنقونها، فكان لا بد من أن تأخذ دراسة تفسيرية واسعة.
قال تعالى: ((" لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86) ".))
أولاً: قسمت الناس اتجاه المؤمنين إلى قسمين أساسيين من حيث العداوة والمودة:
القسم الأول: المعادون المبغضون، وأوضحت الآية أنهم على درجات ولكن أشدهم عداوة اليهود، والذين أشركوا.
القسم الثاني: الموادون وهم أيضاً على درجات، ولكن أقربهم مودة الذين قالوا إنا نصارى.
ثانياً: الملفت للنظر أن الله تعالى ذكر اليهود والمشركين باسمهم الحقيقي (اليهود والذين أشركوا)، بينما ذكر من الموادين للمؤمنين الذين قالوا إنا نصارى، ولم يقل النصارى، وذلك لأن المدعين تبعية السيد المسيح فئات متعددة، وهنا أجد في التفريق بين الذين قالوا إنا مسيحيون وبين الذين قالوا إنا نصارى مناسبة لا باس بها، ولكن هل كان أهل الكتاب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من يقول إنا نصارى وإنا مسيحيون؟ فيه نظر.
ثالثاً: لفهم معنى الود في الآية لا بد من مقابلتها مع ضدها في نفس الآية، فالله قارن موقف المعادين من الناس للمؤمنين، وموقف الموادين، ونحن نفهم العداوة بالمحاربة فناسب معنى السلم للموادة بالمقابلة مع معنى المعاداة.فعلى ذلك يكون المعنى: لتجدن أشد الناس محاربة للمؤمنين للنيل منهم والصد عن سبيل الله: اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقرب الناس مسالمة للمؤمنين الذين قالوا إنا نصارى.
فصار بذلك بيان أن الأصل في اليهود والمشركين العداوة، والأصل في الذين قالوا إنا نصارى السلم.
ولذلك أرى أن مقارنتها بقوله تعالى (وجعل بينكم مودة ورحمة) فيها بعد فالمفردة القرآنية يتعدد مدلولها بحسب سياقها والأسلوب الذي جاءت فيه في الآية وفي السورة،وهذا من التوسع الذي عجز عنه العرب في أقوى مراحل لسانهم والله أعلم.
فالمودة في الآية الثانية (مودة ورحمة) قرنت بالرحمة وهذا يدل على أن الود هنا فطري وهذا ما يدل عليه سياق الآية ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا)) فالإنسان يميل بطبعه الذي خلقه الله فيه إلى جنسه وهو بعيد عنه فكيف إذا ارتبط به بميثاق غليظ؟
أما في عداوة اليهود والمشركين، ومودة الذين قالوا إنا نصارى فهذا موقف عقائدي فكري وهو ما يسمى اليوم بالأيدلوجي، وقد علل الله تعالى موقف الذين قالوا إنا نصارى بقوله: ((ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ)) فالقسيس عالم بدينه ويلحق به
¥