هل النصارى المخاطَبون في القرآن الكريم (الذين نسميهم نحن نصارى) هم ذاتهم الذين يسمون أنفسهم مسيحيين (وهم مختلف أتباع كنائس الفاتيكان والقسطنطنية والبروتستانت .. )؟
أم أتباع فرق (هراطقة) كاليعاقبة والنسطوريين والأبيونيين والنصرانيين ... ؟
التاريخ يبين أن غالب النصارى في جزيرة العرب وما حولها شمالاً وجنوباً وغرباً هم من أتباع تلك الفرق .. وأنهم كانوا مضطهدين من (المسيحيين) لدرجة شارفت على إفنائهم تماماً قبل الإسلام. فهم رفضوا عقائد المسيحيين الشركية.
تأمل ملياً ما قال علي رضي الله عنه في نصارى تغلب: أنهم لم يأخذوا من النصرانية سوى شرب الخمر.
ولكن أين أولئك النصارى؟ ولماذا هم أقلية نادرة جداً هذه الأيام؟
والله أعلم غالبيتهم العظمى دخلت في الإسلام بسرعة عجيبة دون أدنى اعتراض لما وجدت في الإسلام خلاصاً حقيقياً لهم من بدع الإشراك (التثليث).
ويدخل فيهم الكثير من الموجودين في عصرنا ممن يكتم اقتناعه بالتوحيد وعدم اقتناعه بشرك التثليث لأسباب مختلفة
أما وجهة نظري تقسيم أولئك إلى ثلاثة أقسام ..
1. القريب منهم إلى التوحيد .. ويقولون إنا نصارى (أي على ملة أصدق تلك الفرق " الهراطقة " وأقربها إلى الحق، ومقتنعين بأفكارها التوحيدية ... ) سواء قالوا بذلك بألسنتهم أم نطق واقع حالهم بذلك. فلسان الحال أبلغ من لسان المقال. = لهم حكم خاص في طريقة الدعوة، الزواج منهم ..
2. القريب من اليهود (المسيحية المتصهينة، المحافظون الجدد، شهود يهوه، السبتيين، متشددي البروتستانت .. ) = لهم حكم اليهود
3. القريب من الذين أشركوا = لهم حكم المشركين في الدعوة والمعاملة
بل وحتى في الزواج كما فصل ذلك القرضاوي في كتابه فتاوى معاصرة .. موفِّقا بين قول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وجمهور الفقهاء في حكم الزواج من الكتابيات .. ومبيناً وجوب فحص عقيدتها بدقة فإن كانت في حقيقتها مشركة لا يجوز الزواج منها.
لنعد الآن إلى سؤال وهو: هل حارب القرآن عقيدة المسيحيين أم النصارى؟ أي: هل علِمَ القرآن بوجود عقائد المسيحيين الحقيقية (بحسب زعمهم) أم بني أحكامه على ما شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدعٍ لفرقهم الخارجة عنها (الهراطقة)؟!
تلك شبهة معروفة للنصارى ناقشتها بتوسع في أطروحتي وفي عدد من أندية الحوار الديني .. وأعرضها هنا بإيجاز ..
نص الشبهة حرفياً:
" يجهلون الثالوث الأقدس
س 7 جاء في سورة المائدة 116 "وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟ ". وجاء في سورة النساء 171 "يَا أَهْلَ الكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلا الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرَوُحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرا لكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً". وجاء في سورة المائدة 73 "لَقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".
يتضح من هذه الآيات أن محمداً سمع من بعض أصحاب البدع من النصارى أنه يوجد ثلاثة آلهة، هم الله ومريم وعيسى، فردَّ على هذه البدعة وكرر المرة بعد الأخرى أن الله واحد. وكل من له إلمام بالتوراة والإنجيل يعرف أن وحدانية الله هي أساس الدين المسيحي، فقد قالت التوراة والإنجيل: "الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (تثنية 4 ومرقص 1/ 29). ولم يقل مسيحي حقيقي قط إن العذراء مريم إله [1] (مع كل التقدير والمحبة لها) فالمسيحيون لا يعبدون ثلاثة آلهة، بل إلهاً واحداً في وحدانية جامعة: هو الآب والابن والروح القدس. أو بعبارة القرآن "الله وكلمته وروحه" [2]. والكل في ذات واحدة ".
وللرد على شبهتهم أقول:
¥