وقيل الكنس جمع كانس (أي قائم بالكنس) أو مختف من كنس الظبي أي دخل كناسه وهو بيته الذي يتخذه من أغصان الشجر , وسمي كذلك لأنه يكنس الرمل حتي يصل إليه. وعندي أن الكنس هي صيغة منتهي الجموع للفظة كانس أي قائم بعملية الكنس , وجمعها كانسون , أو للفظة كناس وجمعها كناسون , والكانس والكناس هو الذي يقوم بعملية الكنس (أي سفر شيء عن وجه شيء آخر , وإزالته) , لأنه لا يعقل أن يكون المعني المقصود في الآية الكريمة للفظة الكنس هي المنزوية المختفية وقد استوفي هذا المعني باللفظ الخنس , ولكن أخذ اللفظتين بنفس المعني دفع بجمهور المفسرين إلي القول بأن من معاني فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس: أقسم قسما مؤكدا بالنجوم المضيئة التي تختفي بالنهار وتظهر بالليل وهو معني الخنس , والتي تجري في أفلاكها لتختفي وتستتر وقت غروبها كما تستتر الظباء في كناسها (أي مغاراتها) وهو معني الجوار الكنس , قال القرطبي: هي النجوم تخنس بالنهار , وتظهر بالليل , وتكنس وقت غروبها أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار وهو الكناس , وقال مخلوف: أقسم الله تعالي بالنجوم التي تخنس بالنهار أي يغيب ضوؤها فيه عن الأبصار مع كونها فوق الأفق , وتظهر بالليل , وتكنس أي تستتر وقت غروبها أي نزولها تحت الأفق كما تكنس الظباء في كنسها .. وقال بعض المتأخرين من المفسرين: هي الكواكب التي تخنس أي ترجع في دورتها الفلكية , وتجري في أفلاكها وتختفي.
ومع جواز هذه المعاني كلها إلا أني أري الوصف في هاتين الآيتين الكريمتين: فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس. ينطبق انطباقا كاملا مع حقيقة كونية مبهرة تمثل مرحلة خطيرة من مراحل حياة النجوم يسميها علماء الفلك اليوم باسم الثقوب السود
( Black Holes).
وهذه الحقيقة لم تكتشف إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين , وورودها في القرآن الكريم الذي أنزل قبل ألف وأربعمائة سنة بهذه التعبيرات العلمية الدقيقة علي نبي أمي (صلي الله عليه وسلم) , في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين , هي شهادة صدق علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته , وعلي أن سيدنا محمدا بن عبدالله كان موصولا بالوحي , معلما من قبل خالق السماوات والأرض , وأنه (صلي الله عليه وسلم) ما كان ينطق عن الهوي , إن هو إلا وحي يوحي.
الخنس الجوار الكنس في نظر بعض الفلكيين المسلمين المعاصرين
يري بعض الفلكيين المسلمين المعاصرين في الوصف القرآني: الخنس الجواري الكنس أنه وصف للمذنبات
( Comets),
وهي أجرام سماوية ضئيلة الكتلة (لا تكاد تصل كتلتها إلي واحد من المليون من كتلة الأرض) ولكنها مستطيلة بذنبها إلي ما قد يصل إلي 150 مليون كيلو متر مما يجعلها أكبر أجرام المجموعة الشمسية , حيث تتحرك في مدارات حول الشمس , بيضاوية تقع الشمس في أحد طرفيها ونحن نراها كلما اقتربت من الشمس , وهذه المدارات لا تتبع قوانين الجاذبية بدقة , وتتميز بشئ من اللامركزية , وبميل أكبر علي مستوي مدار الأرض , مما يجعل المذنبات تظهر وتختفي بصورة دورية علي فترات تطول وتقصر. والمذنبات تتكون أساسا من خليط من الثلج والغبار , وللمذنب رأس وذنب , وللرأس نواة يبلغ قطرها عدة كيلو مترات قليلة عبارة عن كرة من الثلج والغبار تحيط بها هالة من الغازات والغبار , وتحيط بالهالة سحابة من غاز الإيدروجين قد يصل قطرها إلي مليون كيلو متر.
والغبار المكون للمذنبات شبيه في تركيبه الكيميائي والمعدني بتركيب بعض النيازك , وأما الثلج فهو خليط من ثلج كل من الماء , وثاني أكسيد الكربون , والأمونيا , والميثين.
وبالتفاعل مع كل من أشعة الشمس والرياح الشمسية يندفع من رأس المذنب ذيل من الغازات والأبخرة والغبار قد يصل طوله إلي 150 مليون كيلو متر , ومن هنا كانت التسمية بالمذنبات , وللكثير من المذنبات ذيلان أحدهما ترابي ويبدو أصفر اللون في أشعة الشمس , والآخر مكون من غازات متأينة في حالة البلازما (أليكترونات وأيونات) ويبدو أزرق اللون في أشعة الشمس , والذنب الغازي يندفع بفعل الرياح الشمسية في خط مستقيم خلف رأس المذنب بينما ينعقف منثني الذنب الترابي بلطف خلف رأس المذنب إلي أعلي , وهذان الذنبان قد يتواجدان معا أو يتواجد أحدهما في المذنب الواحد , في عكس اتجاه
¥