الثاني: أن تُدعى لهم العصمة ـ من طرف خفي ـ لهؤلاء، دون حجة ظاهرة، سوى أنهم صححوا الحديث.
وأنت على بَصَرٍ ـ يا أخي الفاضل ـ بأن العلم مسائل، تناقش من حيث هي، ويستأنس بعلم فلان وغيره من الجهابذة المتقدمين والمتأخرين، وإلا لعدنا إلى التقليد، وتوقفت التحقيقات والتدقيقات في العلوم الإسلامية.
وكلما ابتعدنا عن وصف من لا يقول بقولنا بمثل هذه الأوصاف (المتأخرين الأغرار)، وناقشنا المسألة من حيث هي مسألة علمية كان أولى وأحسن للوصل للحق.
مع يقيني التام بأن بعض القضايا العلمية والعقدية لن تنفك الأمة عن الاختلاف فيها، بل هي سنة الله الماضية في وجود الاختلاف في الأمم السابقة وفي هذه الأمة، لكننا نحن أمة الرحمة، وقد قال الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، ونحن اتباعه يجب أن نتصف بهذه الصفة لنكون دعاة خير، فإن كنا نُطالب بها مع الكافرين لأجل أن يسلموا، ويأمرنا الله بقوله (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، وهذا مع غير المسلمين، فنحن أولى بهذا فيما بيننا، والله إننا لنحن الأحوج إليه من غيرنا، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى الرفق، فيقول ـ فيما ترويه عائشة ـ قالت: (دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم قالت عائشة ففهمتها فقلت وعليكم السام واللعنة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله). فقلت يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد قلت وعليكم).
ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء قط إلا زانه ولا عزل عن شيء إلا شانه)، فالله الله بالرفق فيما بيننا.
وإني لأعتذر إليكم في هذا، لكني اهتبلت هذه الفرصة لأذكر أمرًا كنت أريد الكتابة فيه، ورأيت هذا المقام من النقاش العلمي يناسبه، فذكرت ما ذكرت، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله منه، وأسأله أن يديم المودة بيننا، وأن لا يحرمنا الوصول للحق بسبب ذنوبنا وتقصيرنا.
الث
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[19 Oct 2005, 07:35 ص]ـ
جزاكم الله خيرا على هذا التعقب، و ما كنت أحب الخوض في هذا الجدال - و أخي الفاضل الشيخ عبد الرحمن الشهري على علم بذلك - و لكن عندما طرح الموضوع للمراجعة وجدت أنه من الحق ألا أخفي ما أراه حقا، و ألا أخشى شيئا في سبيل ما يتعلق برسول الله صلى الله عليه و سلم ما دام لدي ما أعتقد ه دليلا قويا صحيحا، ألا و هو تصحيح أولئك الأئمة الأثبات للحديث،
و معذرة لما صدر من بعض القول، و لكن ألا تلتمسون لي العذر في ذلك لأجل من خطأ و خالف أئمة هذا العلم، و لعلكم على علم بما دار و يدور من أخذ و رد بخصوص ما سمي بمنهج المتأخرين في الاستقلال بتضعيف الأحاديث التي صححها الأئمة المتقدمون، و قد ذكروا أن الشيخ الألباني - رحمه الله - تراجع عن القول بتصحيح أو تضعيف ما يقرب من (500) خمسمائة حديث، و العهدة في هذا القول و هذا التتبع على الراوي، و ذلك في " ملتقى أهل الحديث "، و ليس هذا هو الحجة في الأمر، و إنما ما ذكرته من اتفاق أكثر من أربعة أئمة، معتد بتصحيحهم للأحاديث، و منهم ابن خزيمة، و قد اعتبر الحافظ ابن حجر مجرد وجود الحديث في " صحيحه " كاف في تصحيحه، و هذا فيما سوى ما شك فيه بقوله " إن صح الخبر " أو فيما توقف فيه،
و ذلك الحديث صححه ابن خزيمة و الترمذي و النسائي و الحاكم، و غيرهم،
فإذا ضرب بقولهم عرض الحائط في تصحيح أحاديث - لم ينقل عن واحد من الأئمة المتقدمين المعتبرين قول بتضعيفها - فلمن نحتكم، و ممن نأخذ في تلك الصناعة الحديثية؟
و إذا كان ذلك جائزا فلن يسلم لنا حديث واحد من الرد و الرفض للطعن المدعى في راو من رواته، أليس كذلك؟
* و قطعا وقفتم فضيلتكم على أجوبة الإمام ابن حجر على ما اعترض به الإمام الدارقطني على أحاديث غير قليلة أوردها الإمام الحجة البخاري في " صحيحه "، و فندها و رد عليها حديثا حديثا، و أثبت صحة ما حكم به الإمام البخاري، مع ما في ظاهر تلك الاعتراضات من صحة عند من لم يتمعن تمعن الإمام البخاري رحمه الله رحمة واسعة و أجزل له عظيم الأجر،
فبان من ذلك أن هؤلاء الأئمة عمد في التصحيح، فما بالنا بمن دون الدارقطني بما لا يقاس أو يذكر ممن ضعف - من المتأخرين - ما اتفق ثلاثة أو أربعة من الأئمة - المتقدمين في العلم و الفضل و الشهرة - على تصحيحه؟
** و كل غرضنا و همنا أن نحفظ للسنة النبوية الشريفة حجيتها في تقرير الأحكام الشرعية،
و لا يعقل اجتماع علماء الأمة على مدار الأعصار و في مختلف الأمصار على الخطأ، بتصحيح أحاديث ضعيفة، و لا ريب في بطلان ذلك القول،
- فإذا صح ذلك و تقرر فالملام على من اجترأ،لا على من رد، و قد قال رسولنا عليه الصلاة و السلام في صاحب حق اشتد في بعض القول: " دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا "
و أكرر تقبلى لقولكم، و بغيتي ظهور وجه الحق في أي جانب كان، و الله على ما أقول شهيد.
** و قد شغلنا هذا الرد عن الالتفات لأصل المسألة، الذي أصبح مسألتين:
الأولى: مشروعية التوسل برسول الله صلى الله عليه و سلم حيا و ميتا،
و الثانية: تضعيف المعاصرين لأحاديث صححها الأعلام من أئمة علوم الحديث، الثقات المشاهير من علماء الإسلام.
هذا،إن رغبتم في بيان وجه الحق في تلك القضية.
و الله يقول الحق، وهو يهدي إلى سواء السبيل.
¥