تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والحق أن لفظ التوسل بالشخص والتوجه به والسؤال به فيه إجمال وإشتراك غلط بسببه من لم يفهم مقصود الصحابة، كما يقول الإمام ابن تيمية، فهذا اللفظ يراد به:

1 - التسبب به لكونه داعياً وشافعاً مثلا.

2 - أو لكون الداعي مجيباً له مطيعاً لأمره مقتدياً به فيكون التسبب إما بمحبة السائل له واتباعه له وإما بدعاء الوسيلة وشفاعته.

3 - ويراد به الإقسام به والتوسل بذاته فلا يكون التوسل بشيء منه ولا بشيء من السائل بل بذاته أو لمجرد الإقسام به على الله.

أقول: فهذه معان ثلاثة يحتملها اللفظ الذي يستدل به من يستدل بالحديث على جواز التوسل، وإذا تبين أن هذا اللفظ محتمل فيبقى الاستدلال به محل نظر.

فكيف إذا انجمع إليه ما يدل على أن المراد بالتوسل توسله بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له لما ذكر في 1و2 ولقوله (شفعه في) ولغيرها من الأوجه التي أشار إليها الأخ الكريم القلم في الرد الثامن والخامس عشر.

ويضاف إلى ما ذكر: هب أن في الحديث توسلاً بذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم -وقد أُبين أن في اللفظ إجمال- فمن أين أخذ جواز ذلك مطلقاً بغير الشروط التي جاءت في الحديث؟

كدعائه صلى الله عليه وسلم للمتوسل، وأمره بصلاة الركعتين ...

فإن التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم لو كان وحده كافياً لأجل حصول المراد، مشروعاً، لما أمره بغيره مقترناً به، ولأخبره بالأيسر مجرداً دون أن يقول لو شئت دعوت لك. أما وأنه قد ذكر الدعاء له وأمره بالصلاة في معرض بيان سبيل قضاء حاجته فهذا يدل على لزومهما مع التوسل لحصول المراد. ولهذا قال بعض أهل العلم: "والفرق ثابت شرعاً وقدراً بين من دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وبين من لم يدع له (قوله وقدراً: يعني في واقع الناس ما يقضيه الله، فليس كل من دعا بنحو ما سبق استجيب له كما استجيب لعثمان رضي الله عنه)، فلا يجوز أن يجعل أحدهما كالآخر وهذا الأعمى شفع له النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال في دعائه الله فشفعه في فعلم أنه شفع فيه وكذلك قوله إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك قال ادع لي فدعا له وقد أمره أن يصلي ويدعو هو لنفسه أيضا فحصل الدعاء من الجهتين".

والحاصل أرجو من الدكتور الكريم أن يناقش الاستدلال، خاصة مع علمي بأن كثيرين -ولعلي منهم- يصححون الأثر المذكور بيد أنهم لايرون فيه دلالة على جواز التوسل بالذات الشريفة صلى الإله على صاحبها وسلم، بل في جزء منه إجمال يفسره شقه الأول.

هذا وأعلم -كما يعلم الإخوان- أن للقائلين بجواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، أدلة أخرى، ولامانع من أن تناقش سواء ما تعلق منها بهذا الحديث كالزيادات والقصص التي وردت في سياقه عند بعض الأئمة أو بغيره كنحو الآية -وإن كنت أفهم من كلام المتحاورين قولهم جميعاً بعدم وجود وجه صحيح في دلالتها وقد أشار إلى هذا الدكتور-، ولكن أرجو أن يكون الانتقال إلى تلك الزيادات أو إلى الأدلة الأخرى عقيب أن يتقرر لدى الباحثين:

هل النص المذكور والذي صححه الترمذي والحاكم وابن خزيمة وغيرهما بهذا اللفظ يدل على جواز التوسل؟ أم أن فهم الجواز مأخوذ من نص آخر أو زيادة أخرى ليست في هذا الذي صححوه؟

وبيان هذا يكون بالجواب على ما ذكر في الرد الثامن (آخر ثلاثة عشر وجهاً)، والخامس عشر (النصف الأخير من الرد)، وهذا الرد.

هداني الله وإياكم لمعرفة الحق والعمل به، ووفقنا جميعاً لسبل مرضاته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[12 Nov 2005, 11:52 م]ـ

الأخ الفاضل أكرمك الله، و وفقني و إياكم إلى السداد و الرشاد في كل حال و حين. اللهم آمين

و قد كنت عاقدا العزم على عدم العود للمناظرة أو المجادلة في هذه المسألة، لأني أعلم عمق الخلاف فيها بين المتأخرين المعاصرين، و لكن خشية ظن إعراضي عن رسالتكم الطيبة الرصينة، و كذا خشية الظن بعجزي عن الرد على ما ورد بها – جعلني أعيد هنا ما ذكرته من قبل في مشاركة أخرى لا أدري إن كنتم اطلعتم عليها أم لا؟

_ و قد أعجبني فيكم الإنصاف و الاعتدال في النظر في أقوال و نقول المتحاورين، و من ذلك قولكم أكرمكم الله:

(ولي تعقيب أرجو أن تتسع له صدوركم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير