تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالاكتشاف في مجال التجريبيات يحمل طابع الإلزام لجميع البشر، لأن دلائل اليقين فيه والاستدلال عليه ترجع في النهاية ـ كما سبق ـ إلى الوجود المادي الخارج عن الذات البشرية في خصوصها وعمومها.

فمتى توصل العلماء التجريبيون إلى اكتشاف قانون ما من قوانين الوجود، في الطبيعة، أو الكيمياء، أو الطب، أو العلوم الرياضية، أو غيرها من مختلف العلوم التي تعتمد قوانينها أساساً على التجربة الموضوعية ـ فلن تجد إنساناً عاقلاً يحكِّم (ذوقه الخاص) أو (مكونات وجدانه الباطني) أو غيرهما من خصوصيات وجوده الذاتي، في قبوله أو رفضه، لأن مرجع اليقين فيه خارج الذات. وحتى (الفرض العلمي) الذي لا يرقى إلى مستوى القانون اليقيني، فإن موقف العلماء من قبوله أو رفضه أو التوقف فيه لا يرجع إلى شيء من خصوصيات الذات (أو الذوق الباطني) أو (مكونات وخصائص الوجدان)، إنما يرجع إلى اعتبارات وحقائق مادية تدركها عقول العلماء في مواد الطبيعة وقوانينها الأخرى التي حظيت منهم جميعاً بالقبول.

أما فيما يتصل بأثر (المعجزة الدينية) في تاريخ النبوات فإن الأمر يختلف عن ذلك، حيث لم تؤد معجزات الأنبياء إلى تصديق معاصريهم جميعاً، بل لم تؤد إلى إيمان كل مَن عاينوا المعجزة بأنفسهم.

وفيما يتصل بموسى وأخيه هارون (ع)، فإننا نجد في العهد القديم أنه بعد أن تحققت معجزة العصا أمام فرعون والمصريين، اشتدّ قلب فرعون فلم يسمع لهما، ولم يؤمن بهما رغم حدوث المعجزة أمامه، وكلم الرب موسى وهارون قائلاً: إذا كلمكما فرعون قائلاً هاتيا عجيبة تقول لهارون: خذ عصاك واطرحها أمام فرعون فنصير ثعباناً. فدخل موسى وهارون إلى فرعون وفعلا هكذا كما أمر الرب. طرح هارون عصاه أمام فرعون وأمام عبيده فصارت ثعباناً. فدعا فرعون أيضاً الحكماء والسحرة. ففعل عرافو مصر أيضاً بسحرهم كذلك. طرحوا كل واحد عصاه فصارت العصى ثعابين. ولكن عصا هارون ابتلعت عصيهم. فاشتد قلب فرعون فلم يسمع لهما كما تكلم الرب» (سفر الخروج، الاصحاح السابع، 8 ـ 13).

وفيما يتصل بالمسيح (ع) فإننا نجد في إنجيل يوحنا عن إحيائه لليعازر أن المسيح (ع) جاء إلى قبره «وكان مغارة وقد وضع عليه حجر، قال يسوع: ارفعوا الحجر. قالت له مرثا أخت الميت: يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام. قال لها يسوع: ألم أقل لك إن آمنت ترين بحد الله. فرفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعاً ورفع يسوع عينيه إلى فوق وقال: أيها الأب أشكرك لأنك سمعت لي. وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنك أرسلتني ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم: لعازر هلم خارجاً. فخرج الميت ويداه ورجلاً مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع: حلوه ودعوه يذهب.

فكثيرون من اليهود الذين جاؤوا إلى مريم ونظروا ما فعل يسوع آمنوا به وأما قوم منهم فمضوا إلى الفريسيين وقالوا لهم عما فعل يسوع. فجمع رؤوساء الكهنة والفريسيون تجمعاً وقالوا: ماذا نصنع فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة. إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا» (يوحنا، الاصحاح الحادي عشر، 29 ـ 40).

وبعد أن أبرأ المسيح (ع) الأكمه فجعله يبصر، حدث أيضاً الشقاق بين اليهود بسبب ذلك، وانقسم رأيهم فيه بين مصدق لنبوته ومكذب لها على رغم المعجزة (انظر: يوحنا، الاصحاح التاسع).

فهانحن نرى أن المشاهدين الذين كان لهم دين سماوي سابق يعرف المعجزة الدينية قد انقسموا أمام المعجزات الخارقة للعادات الطبيعية المادية التي حدثت على يد المسيح (ع)، فبعضهم آمن، ولم يؤمن بعضهم الآخر.

وقد حدث مثل هذا أيضاً بالنسبة لرسولنا محمد (ص)، فلم يؤمن به كل مَن وصلته أنباء معجزاته أو عاصرها.

ومما لا شك فيه أن (القرآن الكريم) أعظم معجزاته وأبقاها على مر الزمن ومع هذا أن بعض آياته تذكر بوضوح أن قارئي القرآن وسامعيه لا يستوون من حيث أثره فيهم، فمنهم مَن يؤمن به ويستقر في قلبه أنه اليقين والحق وأن فيه شفاء القلوب مما تجد من هواجس الشك والريبة، ومنهم مَن لا يزيده إلا خساراً وكفراناً وجحوداً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير