تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أن خرق نواميس الطبيعة المادية بالمعجزات الإلهية ـ مهما بلغت في الإعجاز ـ يمكن أن يؤدي ببعض الناس إلى الإصرار على الجحود والكفر ومحاولة تفسير المعجزة بصورة تبعدهم عن الالتزام بالإيمان بصدق الدين والوحي. يقول تعالى: (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعجرون. لقالوا: إنما سكِّرت أبصارنا، بل نحن قوم مسحورون) الحجر: 14 ـ 25. وذلك أن الأمر في الإيمان يرجع إلى اعتبارات باطنة في قلب الانسان من الهداية والضلال، تمتزج فيها المشيئة الإلهية بالاختيار البشري في صورة لا يتوقف الإيمان فيها على مجرد الشواهد المادية الخارجية التي تحدث في الطبيعة المادية كما هو الحال في العلم المادي التجريبي وقوانينه الملزمة للناس جميعاً بيقينها، كرجوع أمر اليقين فيها إلى أمور التجربة المادية وحدها دون أن تتداخل فيها الاعتبارات والخصوصيات الذاتية.

يقول الله تعالى في ذلك عن بعض الكافرين: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها، قل إنما الآيات عند الله، وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون؟ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أولى مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) الأنعام: 109 ـ 110، ثم يفصل ذلك بقوله تعالى: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة، وكلمهم الموتى، وحشرنا لعيهم كل شيء قبلا، ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ولكن أكثرهم يجهلون) الأنعام: 111.

وقد أحالت هذه الآية أمر الإيمان إلى مشيئة الله تعالى، هذه المشيئة التي تتداخل في قلب الإنسان من حيث الهداية والإضلال، فتهدي إلى سبل اليقين قوماً اختاروا الإيمان واتجهوا إليه، كما تضل عن هذه السبل قوماً آخرين اختاروا الكفر واتجهت إليه قلوبهم وأعمالهم، كما قال تعالى في آيات أخرى: (يضل به كثيراً، ويهدي به كثيراً، وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) البقرة: 26 ـ 27.

وكما قال تعالى عن الاختيار البشري الذي تيسر له المشيئة الإلهية. السبل إلى ما اتجه إليه اختياره (والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى. وما خلق الذكر والأنثى. إن سعيكم لشتى. فأما مَن أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره اليسرى. وأما مَن بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى. وما يُغنى عنه ماله إذا تردى. إن علينا الهدى. وإن لنا للآخرة والأولى) سورة الليل: 1 ـ 3.

4 ـ هل هذا الاختلاف بين طبيعة العلم التجريبي في الماديات، والعلم في المجالات التي تتداخل فيها خصوصيات الذات البشرية بالتقويم والنظر والتوجيه ـ يتضمن نوعان من الغض من قيمة ذلك العلم الذي لا يمكن البرهنة الخارجية على اليقين فيه بصورة موضوعية خالصة لا تتدخل فيها الذات ولا يملك العقل إلا التسليم أمامها؟

قد يقول بعض الناس ذلك، وقد يبنون عليه أنه ينبغي قصر مفهوم كلمة (العلم) على النوع الذي يمكن البرهنة اليقينية عليه خارج الذات كلما توفرت شروطها المادية. وقد يدعون ـ وقد حدث بالفعل ـ إلى طرح النوع الآخر من دائرة (العلم البشري). وهم ينتهون من ذلك كله إلى الدعوة إلى تفسير الوجود تفسيراً مادياً لا يؤمنون فيه إلا بالمعرفة التجريبية التي يكون مرجعها النهائي خارج الذات البشرية وخصائصها ومكوناتها النفسية والعقلية والوجدانية.

وقد يرد عليهم بأن الحياة البشرية لن يتيسر لها أبداً طرح كل ما تتداخل الذات في تقويمه، وما تكون الخصائص والمكونات الوجدانية والنفسية دخل كبير في قبوله ورفضه، ذلك أن تقويم الإنتاج الأدبي والفني، أو النظرة الخاصة إلى القيم الجمالية في الطبيعة أو في الفن، أمور لابدّ أن يتدخل فيها (الذوق الخاص) و (خصوصية التكوين النفسي والوجداني)، مهما حاول النقاد أن يقعدوا لها قواعد موضوعية مضبطة خارج الذات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير