تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فبالرغم من أنه يمكن فعلاً وضع قواعد موضوعية منهجية لتقويم الأعمال الأدبية والفنية، ومقاييس للجمال والجودة فيها، وفي الطبيعة أيضاً، بحيث يتفق عليها جمهور الناس ـ إلا أنه من المقطوع به أن يظل هناك في مجال تقويم مثل هذه الأعمال ـ إلى جوار هذه القواعد المنضبطة الخارجة عن خصوصيات الذات ـ جانب ينبع مباشرة من المكونات النفسية والعقلية والوجدانية الخاصة لذات الإنسان الذي يطالع العمل الأدبي أو الفني ويقومه. أعني أنه سيظل هناك جانب ينبع عن (الذوق الخاص) وخصوصية التكوين النفسي والوجداني، وهو جانب من العسير جداً على عقل الناقد أن يرصده، ويخلص إلى مصادره الأساسية في نفسه وخبراته ومكوناته الشعورية واللاشعورية، بحيث يستطيع بعد ذلك أن يعبر عنه في وضوح. وحتى إذا فرضنا أن ذلك أمر ميسور له، فإن نقل اليقين، أو النفور، الصادر عنه، إلى الناس أمر عسير جداً، بل نظن أنه غير مستطاع بصورة كاملة، لما في ذلك الجانب من خصوصية شديدة.

وأيضاً فإن الحجة التي يستند إليها القائلون بوجوب قصر مجال (العلم البشري) على ما يمكن البرهنة اليقينية عليه تجريبياً خارج الذات ـ لا تكفي الوصول إلى هذه النتيجة، لأن عدم استطاعتنا البرهنة على قضايا الاعتقاد بصورة تجريبية مباشرة ـ كتلك التي تجري في علوم الطبيعة أو الكيمياء مثلاً ـ لا يلزم منه بالضرورة أن مضمون هذه القضايا الاعتقادية باطل، لأن الحياة المادية نفسها ـ وفي نطاق التجريبيات التي يتعلقون بها ـ أمور كثيرة جداً ينحصر مجال العلم البشري بها ـ حتى الآن على الأقل ـ في فروض ونظريات لا يستطيع أصحابها البرهنة اليقينية عليها بصورة تجريبية قاطعة حاسمة كتلك التي يطلبونها وينادون باشتراطها في كل ما يصح إطلاق (العلم) عليه عندهم، ذلك أن مثل هذه البرهنة اليقينية على هذه الفروض لم تتح لأصحابها الدين يتقدمون بها كفروض واحتمالات فحسب.

ولا يكاد يخلو مجال من مجالات المعرفة البشرية من هذه الأمور التي يقوم العلم البشري فيها على مجرد (الافتراض)، حتى يصل الافتراض إلى أكبر القضايا وأخطرها مثل (الأصل المادي للكون): كيف تكوّن؟ وممّ؟ وما المراحل التي مر بها؟ وكتصوير لشيء من الأسئلة التي لا تجد لها في دائرة العلم البشري حتى الآن أجوبة يقينية أو أدلة تجريبية قاطعة نجد العالم ب. ي. ليفين بعد أن تناول بعض النظريات في (تركيب المجموعة الشمسية) و (تكوين الكواكب) و (عمر الأرض) وما يتصل بذلك من قضايا.

يقول في خاتمة دراسته: «وما زال هناك الكثير الذي يجب إنجازه لنحصل على صورة كاملة عن أصل المجموعة الشمسية.

فبعض المشاكل لم تدرس بالمرة، وبعضها الآخر يجب أن يتم بعضه بتفصيل أكبر. فمثلاً، لماذا لا تكاد كتلة تابع الأرض (القمر) Moon تبلغ إلا 82 مرة أقل من كتلة الأرض نفسها، بينما للكواكب الأخرى نوابع ذوات كتل أصغر آلاف وملايين المرات من كواكبها؟ وكيف تشكل سطح القمر؟ ولماذا ليس للمريخ جبال عالية أو سلاسل جبال؟ وما هو أصل هذا الحشد الهائل من المذنبات التي أنت منها المذنبات التي نراها اليوم؟ وما هو أصل الغضاريف Chondrukes هذه الكرات الدقيقة التي هي إحدى المكونات الهامة لمعظم الشهب؟.

كل هذه الأسئلة، وعديد غيرها، إما ينتظر الجواب، وإما أن الإجابة عليه ما زالت عامة ذات طبيعة تقريبية» (أصل الأرض والكواكب).

فالقول بأن مجال (العلم التجريبي) كله، وما ينبني عليه من قضايا أساسية، يمكن البرهنة عليه تجريبياً بصورة قاطعة ينتفي فيها (التساؤل) أو (الفرض) أو (عدم اليقين) ـ قول يتضمن كثيراً من الخداع والبطلان. ومن ثم ليس لأحد أن يحاول قصر (المعرفة البشرية) على العلم التجريبي، وعد كل ما عداه خرافة أو أسطورة، بحجة أنه غير مستوف لشروط اليقين التجريبي القاطع، لأنه يبدو أيضاً أنه مكتوب على البشر أن تظل أمامهم دائماً ـ مهما تقدموا في شتى مجالات المعرفة ـ أمور لا يتيسر لهم فيها اليقين القاطع الذي يطلبونه، ويتحقق لهم فعلاً في بعض القضايا التجريبية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير