تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجُلُّ ما يعتمد عليه أصحاب القول بأن للقرآن ظهراً وبطناً ما روي عن عبد الله بن مسعود (ت: 32 هـ) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُنْزِلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أحرف، لكل حرف منها ظهرٌ وبطنٌ، ولكل حرفٍ حدٌّ، ولكل حدٍّ مطَّلَعٌ" (5).

وما جاء عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة تحت العرش يوم القيامة، القرآن يحاجُّ العباد، له ظهرٌ وبطنٌ، والأمانة والرحم تنادي: ألا من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله " (6).

وما جاء عن الحسن البصري رحمه الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أَنْزَلَ الله ـ عز وجل ـ آيةً إلا لها ظهرٌ وبطنٌ، ولكل حرفٍ حدٌّ، وكل حدٍّ مطَّلَعٌ" (7).

وهذه الأحاديث لا تصح طرقها وإن جوّز تحسينها بعض الباحثين بمجموع طرقها (8)، وقد سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728) رحمه الله عن حديث: " للقرآن باطن وللباطن باطن إلى سبعة أبطن " فقال: " أما الحديث المذكور فمن الأحاديث المختلقة التي لم يروها أحد من أهل العلم ولا يوجد في شيء من كتب الحديث ولكن يروى عن الحسن البصري موقوفاً أو مرسلاً أن لكل آية ظهراً وبطناً وحداً ومطلعاً " (9).

وعلى فرض صحتها فقد بين العلماء المعنى الصحيح الذي ينبغي تفسير الحديث به حيث ذكروا في المراد عدة أقوال منها:

• أن المراد بالظهر اللفظ وبالبطن المعنى.

• أن المراد بالظهر ما ظهر تأويله وعرف معناه، وبالبطن ما بطن تفسيره.

• أن المراد أن قصصه في الظاهر أخبار، وفي الباطن عِبَرٌ وتنبيه وتحذيرٌ وغير ذلك.

• أن المراد بالظهر التلاوة، وبالبطن: التَّفهُّم والتَّعْظِيم (10).

• ما قاله الطبري (ت: 310): " فظهره: الظاهر في التلاوة، وبطنه ما بطن من تأويله" (11).

• وقد ذكر الشاطبي (ت: 790) المعنى الثاني بقوله: " وحاصل هذا الكلام أن المراد بالظاهر: هو المفهوم العربي، والباطن: هو مراد الله تعالى من كلامه وخطابه، فإن كان مراد من أطلق هذه العبارة ما فسر فصحيح ولا نزاع فيه، وإن أرادوا غير ذلك فهو إثبات أمرٍ زائد على ما كان معلوماً عند الصحابة ومن بعدهم، فلا بد من دليل قطعي يثبت هذه الدعوى، لأنها أصل يحكم به على تفسير الكتاب، فلا يكون ظنياً، وما استدل به إنما غايته إذا صح سندُه أن ينتظم في سلك المراسيل ". ثم مثل عليه بقصة عمر (ت: 23هـ) مع ابن عباس (ت: 68هـ) رضي الله عنهم في تفسير سورة النصر وقال: " فظاهر هذه السورة أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسبح بحمد ربه، ويستغفره إذا نصره الله وفتح عليه، وباطنها أن الله نعى إليه نفسه" (12).

وقد اشترط لصحة المعنى الباطن شرطين هما:

أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر في لسان العرب ويجري على المقاصد العربية.

وأن يكون له شاهد نصاً أو ظاهراً في محل آخر يشهد لصحته من غير معارض.

وقال في سبب اشتراطه للثاني: " فلأنه إن لم يكن له شاهد في محل آخر أو كان له معارض صار من جملة الدعاوى التي تدعى على القرآن، والدعوى المجردة غير مقبولة باتفاق العلماء " (13).

والله أعلم ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر: البرهان: (1/ 292).

(2) الرسالة: (51 ـ 52).

(3) جامع البيان: (5/ 44).

(4) انظر: الاعتصام للشاطبي: (1/ 205).

(5) رواه ابن جرير في تفسيره من طريقين ضعيفين: (1/ 35 ـ 36)، قال أحمد شاكر: " هو حديث واحد بإسنادين ضعيفين أما أحدهما فلانقطاعه بجهالة راويه عمن ذكره عن أبي الأحوص، وأما الآخر فمن أجل إبراهيم الهجري راويه عن أبي الأحوص".

ورواه الطبراني في المعجم الكبير بلفظ: " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله، وأنزل القرآن على سبعة أحرف، ولكل آية منها ظهر وبطن". المعجم الكبير: (10/ 105) برقم (10107).

ورواه أيضاً ابن حبان في صحيحه: (1/ 276) برقم (75)، والبزار في مسنده: (7/ 152)، والطبراني في المعجم والأوسط: (1/ 236) برقم (773)، وأبو يعلى في مسنده: (9/ 278) برقم (5403).

(6) رواه العقيلي في الضعفاء: (4/ 5)، وقال: " ولا يصح إسناده ". والبغوي في شرح السنة: (13/ 22). وانظر: نوادر الأصول للحكيم الترمذي: (4/ 168) والفردوس بمأثور الخطاب لأبي شجاع: (3/ 228) برقم (4673).

(7) رواه أبو عبيد في فضائل القرآن: (42، 43)، وعبد الرزاق في مصنفه: (3/ 358) برقم (5965). وابن المبارك في الزهد: (1/ 23) برقم (94).

(8) انظر: الأقوال الشاذة للدهش: (33) حيث قال بعد إيراد هذه الشواهد للحديث: " وبعد هذا فقد يرتقي الحديث بهذا السياق إلى أن يكون حسناً ".

(9) مجموع الفتاوى: (13/ 231 ـ 232).

(10) انظر في الأقوال السابقة: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: (3/ 166).

(11) جامع البيان: (1/ 55). وعلق عليه أحمد شاكر بقوله: " الظاهر: ما تعرفه العرب من كلامها وما لا يعذر أحدٌ بجهالته من حلال وحرام. والباطن: هو التفسير الذي يعلمه العلماء بالاستنباط والفقه، ولم يُرِد الطبري ما تفعله طائفة الصوفية وأشباههم في التلعب بكتاب الله وسنة رسوله والعبث بدلالات ألفاظ القرآن وادعائهم أن لألفاظه ظهراً هو الذي يعلمه علماء المسلمين وباطناً يعلمه أهل الحقيقة فيما يزعمون ". جامع البيان بتحقيقه: (1/ 72) حاشية رقم (2).

(12) الموافقات: (3/ 287). وقد ذكر أمثلة أخرى لهذا المعنى. وقد اعتبر الشاطبي رحمه الله أن كل ما كان من المعاني العربية التي لا ينبني فهم القرآن إلا عليها فهو داخل تحت الظاهر، وكل ما كان من المعاني التي تقتضي تحقيق المخاطب بوصفه العبودية والإقرار لله بالربوبية فذلك هو الباطن المراد والمقصود الذي أنزل القرآن لأجله. انظر الموافقات: (3/ 289، 290).

(13) الموافقات: (3/ 295).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير