تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، والسجدة من الصلاة، فلاينبغي لأحد أن يقرأ سجدة في تينِكَ الساعتين ([31]). فقولٌ صحيح وحجة واضحة.

وأمَّا اختلافهم في سجود التلاوة بعد الصبح وبعد العصر فقد ذكرنا ما ذكره مالك في الموطأ.

وقال ابن القاسم عنه: يسجد في هذين الوقتين ما لم تتغير الشمس أو يُسفر، فإذا أسفر أو اصفرت الشمس لم يسجد، وهذه الرواية قياس على مذهبه في صلاة الجنائز.

وقال الثوري مثلَ قول مالك في الموطأ.

وكان أبو حنيفة لايسجد عند الطلوع ولا عند الزوال ولا عند الغروب، ويسجدها بعد العصر وبعد الفجر.

قال أبو عمر: وهكذا مذهبه في الصلاة على الجنائز.

وقال زُفَرُ ([32]): إن سجد عند طلوع الشمس أو غروبها أو عند استوائها أجزأه إذا تلاها في ذلك الوقت.

وقال الأوزاعي والليث والحسن بن صالح ([33]): لايسجد في الأوقات التي تكره فيها الصلاة.

وقال الشافعي: جائز أن يسجد بعد الصبح وبعد العصر) ([34]) ا هـ.

هذا ما ذكره ابن عبدالبر في هذه المسألة، وقد ذكر أقوال أهل المذاهب فيها، ولم يبق إلاَّ قول الإمام أحمد.

فذهب أحمد في رواية عنه إلى أنه يسجد في كل وقت، والرواية الثانية أنه لايسجد في أوقات النهي مطلقاً، وهي المذهب ([35]).

فهذه خلاصة أقوال أئمة المذاهب في هذه المسألة ([36]).

وأمَّا رأى ابن عبدالبر فيها فهو ما ذكره الإمام مالك في الموطأ وهو أنه لاينبغي لأحدٍ أن يقرأ من سجود القرآن شيئاً بعد صلاة العصر، وبعد صلاة الصبح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذين الوقتين، والسجدة من الصلاة، فلاينبغي لأحدٍ أن يقرأ سجدة في تينك الساعتين.

قال ابن عبدالبر: هذا قولٌ صحيحٌ وحجةٌ واضحةٌ.

وأقول: قول ابن عبدالبر صحيح إذا اعتبرنا سجود التلاوة صلاةً - كما هو قول جمهور أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة وأصحابهم - ولكن الصحيح أن سجود التلاوة لايعتبر صلاةً - كما ذهب إلى ذلك ابن جرير وابن حزم وابن تيمية، وهو قول الشعبي، وسعيد بن المسيب ([37]) ([38]) -.

وإذا تقرّر أن سجود التلاوة ليس بصلاة فإنه لاينهى عنه في أوقات النهي؛ لأن النهي إنَّما هو عن الصلاة، ولا صلاة.

قال الشوكاني - رحمه الله -: (روى عن بعض الصحابة أنه يكره سجود التلاوة في الأوقات المكروهة، والظاهرُ عدم الكراهة؛ لأن السجود المذكور ليس بصلاة، والأحاديث الواردة في النهي مختصة بالصلاة) ([39]) ا هـ.

يتبع إن شاء الله


([1]) أخرجه البخاري في كتاب سجود القرآن، باب: من يسجد لسجود القارئ رقم [1075] ص 214 (ط: الأفكار الدولية)، ومسلم في كتاب المساجد، باب: سجود التلاوة رقم [575] ص 230 (ط: الأفكار الدولية).

([2]) رقم [1076] باب: ازدحام الناس إذا قرأ الإمام السجدة.

([3]) شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 78.

([4]) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة رقم [81] 60، 61 (ط: بيت الأفكار الدولية).

([5]) من الكتب المؤلف في أحكام سجود التلاوة - وقد استفدت منها كثيراً في مسائل هذا الموضوع:

1 - إتحاف أهل الإيمان بأحكام سجود القرآن، تأليف أبي عبدالرحمن محمود الجزائري.

2 - التبيان في سجدات القرآن، جمع وتحقيق عبدالعزيز بن محمد السدحان.

3 - سجود التلاوة وأحكامه، للدكتور صالح بن عبد الله اللاحم.

وهذا الكتاب الأخير يدرس أحكام سجود التلاوة، دراسة فقهية مقارنة بشيء من التوسع.

([6]) انظر: موطأ الإمام مالك 1/ 181 - 183.

([7]) أخرجه مالك في الموطأ، كتاب القرآن، باب: ماجاء في سجود القرآن ص 182، وسأتي تخريجه في التعليق التالي بالتفصيل.

([8]) أخرجه البخاري في كتاب سجود القرآن، باب: مَن رأى أن الله عزوجل لم يوجب السجود رقم [1077] ص 214 (ط: بيت الأفكار الدولية).

([9]) أخرجه البخاري في الموضع السابق بلفظ: (وزاد نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: إن الله لم يفرض السجود إلاَّ أن نشاء).

([10]) الاستذكار 8/ 107 - 109.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير