تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال أبو عمر: هذا حديث ثابت أيضاً صحيح، لايختلف في صحة إسناده، وكذلك الذي قبله صحيح أيضاً، وفيه السجود في المفصل، والسجود في {إِذَا ا؟ لسَّمَآءُ ا؟ نشَقَّتْ = 1} معينة، والسجود في الفريضة؛ وهذه فصول كلها مختلف فيها، وهذا الحديث حجة لمن قال به، وحجة على من خالف ما فيه ... .

عن أبي سلمة بن أبي عبدالرحمن، أنه رأى أبا هريرة - وهو يصلي - فسجد في {إِذَا ا؟ لسَّمَآءُ ا؟ نشَقَّتْ = 1} قال أبو سلمة حين انصرف: لقد سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيهما، قال: إني لولم أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها لم أسجد ([44]) ... .

قال أبو عمر: احتج من أنكر السجود في المفصل بقول أبي سلمة لأبي هريرة: لقد سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها. قالوا: فهذا دليل على أن السجود في {إِذَا ا؟ لسَّمَآءُ ا؟ نشَقَّتْ = 1} كان قد تركه الناس، وجرى العمل بتركه في المدينة؛ فلهذا كان اعتراض أبي سلمة لأبي هريرة في ذلك.

واحتج من رأى السجود في {إِذَا ا؟ لسَّمَآءُ ا؟ نشَقَّتْ = 1} وفي سائر المفصل، بأن أبا هريرة رأى الحجة في السنة لا فيما خالفها، ورأى أن من خالفها محجوج بها؛ وكذلك أبو سلمة لما أخبره أبو هريرة بما أخذه به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت لما لزمه من الحجة؛ ولم يقل له الحجة في عمل الناس، لا فيما تحكي أنت عن رسول الله بل علم أن الحجة فيما نزع به أبو هريرة، فسلم وسكت.

وقد ثبت عن أبي بكر، وعمر، والخلفاء بعدهما السجود في {إِذَا ا؟ لسَّمَآءُ ا؟ نشَقَّتْ = 1} فأيّ عمل يدعى في خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده؟!.

... عن أبي هريرة، قال: سجد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما - في {إِذَا ا؟ لسَّمَآءُ ا؟ نشَقَّتْ = 1} ومن هو خير منهما ([45]).

... فهذا ما في سجود المفصل من الآثار الصحاح، واختلاف العلماء من الصحابة ومن بعدهم - رضوان الله عليهم -) ([46]) ا هـ.

وبعد هذا الكلام المحقق المجوّد الواضح؛ يتبين لنا أن ابن عبدالبر، يميل إلى القول بثبوت السجود في المفصل مخالفاً في ذلك إمام مذهبه الإمام مالكاً - رحمة الله على الجميع - وإن كان لم يبين ذلك بصراحة.

والقول بثبوت السجود في المفصل هو القول الصحيح الذي تدل عليه الأدلة الصحيحة من السنة النبوية، وأقوالُ الصحابة والتابعين وفعلُهم.

ولقوة أدلته وصراحتها فقد رجحه بعض محققي المالكية، ومنهم الإمام أبو بكر ابن العربي، فقد قرّر في عدة مواضع ثبوت السجود في المفصل، وأن ذلك هو القول الصحيح الذي تشهد له الأدلة.

قال - رحمه الله -: (ثبت في الصحيح أن أبا هريرة قرأ: {إِذَا ا؟ لسَّمَآءُ ا؟ نشَقَّتْ = 1} فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها.

وقد قال مالك: إنها ليست من عزائم السجود، والصحيح أنها منه، وهي رواية المدنيين عنه، وقد اعتضد فيها القرآن والسنة.

قال ابن العربي: لَمَّا أمَمْتُ بالناس تركت قراءتها لأني إن سجدت أنكروه، وإن تركتها كان تقصيراً مني، فاجتنبتها إلاَّ إذا صليت وحدي) ([47]) ا هـ.

وبعد هذا كله فالقول الصحيح المعوّل عليه أن عدد سجدات التلاوة في القرآن الكريم خمس عشرة سجدة، منها السجدة الثانية في الحج، وسجدة {ص} وثلاث في المفصل ([48]).

ويشهد لهذا حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان}.

فهذا الحديث أشملُ حديث في بيان عدد سجدات القرآن، وهو وإن كان في إسناده ضعف فله من الشواهد المرفوعة والموقوفة ما ينهض به عن درجة الضعف ([49])؛ ولذلك فقد حسنه النووي - رحمه الله ([50]) -.

تنبيه:

سبب اختلاف العلماء في عدد سجدات القرآن يعود إلى اختلاف النقل في الأحاديث والعمل، واختلافهم في الأمر المجرد بالسجود في القرآن هل المراد به سجود التلاوة أو سجود الفرض في الصلاة. أفاد ذلك القرطبي ([51]).

الحواشي السفلية:


([1]) الاستذكار 8/ 106 - 107 باختصار يسير جداً. وانظر: التمهيد 19/ 131، 132.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير