تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والثاني: أن هذا القياس غير صحيح أصلاً حتى يمتنع؛ إذ من شرط القياس الصحيح عدمُ فعل الشيء المقيس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا حدثت حادثة لم تقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإن المجتهد ينظر في هذه الحادثة ويلحقها بما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الحوادث المشابهة التي جاء فيها نص. فإذا كانت الحادثة الواقعة قد وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا قياس فيها أصلاً؛ وكذلك سجود التلاوة، فإنه قد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسجد وسجد الصحابة معه ولم يأمرهم بالوضوء له، فلا قياس إذن في هذه المسألة والله تعالى أعلم ([27]).

4 - وأمَّا أثر الليث؛ فقد أجاب عنه العلماء بأمرين:

الأول: قيل: إنه ضعيف ([28]).

والثاني: حمله على الأفضل جمعاً بينه وبين ما ثبت أنه - رضي الله عنه - سجد على غير وضوء.

وأمَّا رواية مَن روى: كان يسجد على وضوء؛ فغلط؛ لأن تبويب البخاري واستدلاله وقوله: (والمشرك ليس على وضوء) يدلُّ على أن الرواية بلفظ {على غير وضوء} وعليها أكثر الرواة.

قال ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري: (قوله: {وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء} كذا للأكثر، وفي رواية الأصيلي بحذف {غير} والأول أولى، فقد روى ابن أبي شيبة ([29]) من طريق عبيد بن الحسن عن رجل زعم أنه كنفسه عن سعيد بن جبير قال: كان ابن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء ثُمَّ يركب فيقرأ السجدة فيسجد وما يتوضأ. وأمَّا ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن الليث عن نافع عن ابن عمر: لايسجد الرجل إلاَّ وهو طاهر. فيجمع بينهما بأنه أراد بقوله: {طاهر} الطهارة الكبرى، أو الثاني على حالة الاختيار والأول على الضرورة) ([30]) ا هـ.

وبعد هذا كله؛ يتبين أن الصواب في هذه المسألة أنه لاتشترط الطهارة لسجود التلاوة، وهذا ما رجحه العلاّمة الشيخ عبدالعزيز بن باز ([31])، حيث قال: (والصواب أنه لايشترط له الطهارة ولا غيرها من شروط الصلاة كما قال ابن حزم) ([32]) ا هـ.

ومع ذلك فإن الأفضل والأكمل أن يكون الساجد للتلاوة على طهارة، وهذا باتفاق المسلمين ([33]).

الحواشي والتعليقات:


([1]) موطأ الإمام مالك، كتاب القرآن، باب: ماجاء في سجود القرآن ص 182.

([2]) الاستذكار 8/ 110.

([3]) الكافي في فقه أهل المدينة ص 76، 77.

([4]) تفسير القرطبي 7/ 358.

([5]) التبيان في آداب حملة القرآن ص 118، 119، والمجموع شرح المهذب 4/ 63.

([6]) المغني مع الشرح الكبير 1/ 685.

([7]) انظر: المحلى لابن حزم 1/ 105، 5/ 165.

([8]) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 23/ 165 ومابعدها.

([9]) انظر: تهذيب السنن لابن القيم 1/ 54، 55.

([10]) انظر: نيل الأوطار للشوكاني 3/ 125.

([11]) أخرجه البخاري في كتاب سجود القرآن، باب: سجود المسلمين مع المشركين، والمشرك نجس ليس له وضوء رقم [1071] ص 213.

([12]) لعله يقصد ابن القيم - رحمه الله -.

([13]) انظر: تهذيب السنن لابن القيم 1/ 54.

([14]) أخرجه البخاري في الموضع السابق معلقاً بصيغة الجزم ص 213.

([15]) هذا خلاف ما ذهب إليه ابن حجر، حيث ذكر أنه لم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلاَّ الشعبي وأبو عبدالرحمن السلمي. انظر: فتح الباري 2/ 645.

([16]) مجموع الفتاوى 21/ 278 - 279.

([17]) انظر: تهذيب السنن لابن القيم 1/ 54 - 55.

([18]) أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن كما قال الحافظ في فتح الباري 2/ 645.

([19]) أخرجه ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح كما قال الحافظ في الفتح 2/ 645.

([20]) إتحاف أهل الإيمان بأحكام سجود القرآن لأبي عبدالرحمن محمود الجزائري ص 41 - 43 باختصار.

([21]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب: فرض الوضوء رقم [61] 1/ 49، 50، والترمذي في كتاب الطهارة، باب: ماجاء أن مفتاح الصلاة الطهور رقم [3] 1/ 8، 9، وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن.

والحديث صحيح. وانظر تخريجه بالتفصيل والحكم عليه في إرواء الغليل للألباني رقم [301] 2/ 8 - 10.

([22]) رواه البيهقي بإسناد صحيح كما قال الحافظ في الفتح 2/ 644.

([23]) سيأتي ذكره وتخريجه في مبحث صفة سجود التلاوة - إن شاء الله -.

([24]) مجموع الفتاوى لابن تيمية 23/ 170، 171، 165.

([25]) انظر: كتاب إتحاف أهل الإيمان بأحكام سجود القرآن ص 45.

([26]) انظر: المرجع السابق ص 45، والمحلى لابن حزم 1/ 80.

([27]) انظر: إتحاف أهل الإيمان بأحكام سجود القرآن ص 45، 46، وتهذيب السنن لابن القيم 1/ 55.

([28]) تهذيب السنن لابن القيم 1/ 56.

([29]) هو: عبد الله بن محمد ابن أبي شيبة العبسي مولاهم الكوفي، أبو بكر، صاحب {المسند} و {المصنّف} وغير ذلك. أخذ عنه البخاري ومسلم وغيرهما كثير، قال الخطيب: كان أبو بكر متقناً حافظاً، صنّف المسند، والأحكام والتفسير. مات - رحمه الله - سنة 235 هـ. انظر: طبقات علماء الحديث 2/ 84، 85.

([30]) فتح الباري لابن حجر العسقلاني 2/ 644.

([31]) هو: الشيخ العلاّمة عبدالعزيز بن عبد الله بن باز، رئيس هيئة الإفتاء بالمملكة العربيَّة السعوديَّة وأحد كبار العلماء، مشهور بعلمه الغزير، وخلقه الجَمّ، واهتمامه بأمور المسلمين، معاصر - بارك الله في عمره -. انظر: كتاب علماؤنا لفهد البدراني وفهد البراك ص 28 - 33.

([32]) من كتاب التبيان في سجدات القرآن لعبدالعزيز السدحان ص 32.

([33]) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 21/ 279.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير