وأهل هذا الشأن قسموا السنن ... إلى صحيح وضعيف وحسن
فالأول المتصل الإسناد ... بنقل عدل ضابط الفؤاد
عن مثله من غير ما شذوذ ... وعلة قادحة فتوذي
فإذا صح الخبر أوجب العمل، سواءً كان صح بذاته أو لغيره بأن كان حسناً لذاته وتعددت طرقه أوجب العمل أيضاً، ومثله إذا نزل قليلاً عن حد الصحيح إلى درجة القبول، مما يسمى بأدنى الصحيح وهو الحسن، ما لم يصل إلى الضعف، فإذا كان حسناً لذاته أو حسناً لغيره بأن كانت مفرداته ضعيفة ضعفاً قريباً محتملاً وتعاضدت، قابلة للانجبار وتعاضد بعضها مع بعض فإنها ترتقي إلى درجة الحسن لغيره، ويحتج به حينئذ وهو حجة -خبر الواحد- عمدة وحجة عند أهل العلم، موجب للعمل في جميع أبواب الدين، في جميع أبواب الدين، فتثبت به العقائد، تثبت به الأحكام، تثبت به الآداب والفضائل، يثبت به التفسير والقراءة وغير ذلك، المقصود إذا وصل إلى درجة القبول بمعنى أنه غلب الظن على ثبوته، فإن العمل به واجب.
ينقسم إلى قسمين: مرسل ومسند، فالمسند: ما اتصل إسناده: عرفنا أن من شروط القبول: اتصال السند، من شروط القبول: اتصال السند، فالأول المتصل الإسناد، هذا أول شرط -اتصال السند- فالذي يتصل سنده؛ بنقل العدل الضابط يعني الثقة عن مثله إلى أن ينتهي السند من غير اتصاف بشذوذ ولا علة قادحة هذا صحيح، إذا اختل شرط -وهو شرط الاتصال- بأن حصل الانقطاع في السند -في أي طبقة من طبقات الإسناد- حكم على الخبر بأنه ضعيف، بأنه ضعيف؛ لاختلال شرط من شروط القبول، وهو اتصال السند.
المؤلف جرى على عادة الأصوليين بمقابلة المسند بالمرسل، وهو أيضاً معروف عند أهل الحديث؛ حينما يقولون: أسنده فلان وأرسله فلان، فإذا قالوا: أسنده فلان، مرادهم بذلك أنه وصل إسناده، يعني رواه بسند متصل، وإذا قالوا: أرسله فلان، معناه أنه حصل أو رواه بسند فيه شيء من الانقطاع في أي طبقة من طبقاته، لكن أهل العلم يجعلون الانقطاع قسمين: قسم ظاهر وقسم خفي، انقطاع ظاهر وانقطاع خفي.
الآن المؤلف أطلق المسند بإزاء المتصل فقال: المسند: ما اتصل إسناده: مع أن أهل الحديث يختلفون في تعريف المسند، فمنهم من يقول: المسند المتصل -كما هنا- ومنهم من يقول: المسند المرفوع، ومنهم من يقول: المسند المرفوع المتصل، وهنا اعتمد قول الخطيب، وهو أن المسند المتصل.
ابن عبد البر يرى أن المسند المرفوع، والحاكم جمع الأمرين معاً فقال: هو المرفوع المتصل، فإذا اتصل إسناد .. ، الإسناد إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وأضيف الخبر إليه صار مسنداً، بينما لو اتصل السند إلى صحابي فإنه حينئذ لا يكون مسنداً، عند من؟ عند ابن عبد البر، ولا عند الحاكم، وهو مسند عند الخطيب.
على كل حال أهل الأصول لهم عناية بالخطيب، وهو قريب منهم في كثير من القواعد، ولا يقدح فيه ... ، لا يقدح في الخطيب كونه محسوباً على أهل الأصول، لا أبداً؛ ما من فن من فنون علوم الحديث إلا وقد ألف فيه كتاباً، حتى قال أبو بكر بن نقطة: " من أنصف علم أن أهل الحديث عيال على الخطيب في كتبه"؛ ما من باب من أبواب علوم الحديث إلا وألف فيه، يعني كونه يلتقي مع الأصوليين في كثير من القواعد والأصول التي يرجعون إليها هذا لا يضيره إن شاء الله تعالى.
إذا قابلنا المسند، وحكمنا على المسند بأنه المتصل -وهو ما يراه الخطيب ويتبعه المؤلف- فالذي يقابل المتصل المنقطع، وهو ما عبر عنه ببعض أنواعه وهو المرسل، وهذا اصطلاح معروف عند أهل العلم، حتى من المحدثين حينما يقولون: أسنده فلان، وأرسله فلان.
ومن يقابله بذي الإرسال ... فقد عنا بذاك ذا اتصال
من يقابل المسند بالمرسل فيريد به المتصل.
المرسل: هنا أطلقه على طريقة الأصوليين -على جميع أنواع الانقطاع- وعند أهل الحديث .. ؛ لأن هناك انقطاع ظاهر وهناك انقطاع خفي، والانقطاع الظاهر عند أهل الحديث إما أن يكون من مبادئ السند فيسمونه حينئذ المعلق، من مبادئ السند من جهة المصنف
وإن يكن أول الإسناد حذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف
هذا إذا حذف أول الإسناد، إذا حذف آخر الإسناد، طرفه الذي فيه الصحابي، ورفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا هو المرسل بالمعنى الأخص عند أهل الحديث.
مرفوع تابع على المشهور ... مرسل أو قيده بالكبير
¥