وروى الخطيب بإسناده إلى أبي إسماعيل الترمذي، عن الأويسي، عن مالك أنه بلغه أن مقاتل بن سليمان جاءه إنسان، فقال له: إنّ إنساناً سألني: ما لون كلب أصحاب الكهف؟ فلم أدر ما أقول له، قال: فقال له مقاتل: ألا قلت: هو أبْقعُ، فلو قلتَ لم تجد أحداً يردُّ عليك.
قال أبو إسماعيل: "وسمعت نُعيم بن حماد يقول: أول ما ظهر من مقاتل الكذب هذا، قال للرجل: أما لو قلت أصفر، أو كذا، أو كذا، مَنْ كان يردّ عليك! "
قال الخطيب: "ولا أعلم في التفسير كتاباً مصنفاً سلم من علة فيه، أو عريَ من مطعن عليه."
ثم تابع الخطيب قوله: "وأما المغازي فمن المشتهرين بتصنيفها وصرف العناية إليها: محمد بن إسحاق المطَّلبي، ومحمد بن عمر الواقدي. فأما ابن إسحاق فقد تقدمت منّا الحكاية عنه، أنه كان يأخذ عن أهل الكتاب أخبارهم ويُضمنها كتبه، وروي عنه أيضاً أنه كان يدفع على شعراء وقته أخبار المغازي ويسألهم أن يقولوا فيها الأشعار ليُلْحِقها بها."
وساق بسنده إلى ابن أبي عمرو الشيباني، قال: سمعت أبي يقول: "رأيت محمد بن إسحاق يعطي الشعراء الأحاديث يقولون عليها الشِعر."
قال الخطيب: "وأما الواقدي فسوء ثناء المحدثين عليه مستفيض، وكلام أئمتهم فيه طويل عريض." ونقل عن الشافعي قوله: "كتب الواقدي كذب."
قال الخطيب: "وليس في المغازي أصح من كتاب موسى بن عقبة مع صغره، وخلوه من أكثر ما يذكر في كتب غيره. فما روي من هذه الأشياء عمن اشتهر تصنيفه وعرف بجمعه وتأليفه هذا حكمه، فكيف بما يورده القصّاص في مجالسهم، ويستميلون به قلوب العوام من زخارفهم؟ إنّ النقل لمثل تلك العجائب من المنكرات، وذهاب الوقت في الشغل بأمثالها من أخسر التجارات."
وقال الخطيب إن أحاديث الملاحم وما يكون من الحوادث فأكثرها موضوع، وجلّها مصنوع، كالكتاب المنسوب إلى دانيال، والخُطب المروية عن عليّ بن أبي طالب.
وقال يحيى بن معين: "وهذه الأحاديث كلها التي يحدثون بها في الفتن، وفي الخلفاء، تكون كلها كذب وريح، لا يعلم هذا أحد إلا بوحي من السماء."
وهذا لا يعني رفض كلّ ما جاء من أحاديث في هذه الأمور الثلاثة: التفسير والملاحم والمغازي، فاشترط العلماء لمن ينقل الحديث في هذه شروطاً غير التي اشترطوها في الأحاديث التي تتعلق بالأحكام.
قال الخطيب: "إن التفسير يتضمن أحكاماً، طريقها النقل، فيلزم كَتبه، ويجب حفظه، إلا أن العلماء قد احتجوا في التفسير بقوم لم يحتجوا بهم في مسند الأحاديث المتعلقة بالأحكام، وذلك لسوء حفظهم الحديث وشغلهم بالتفسير، فهم بمثابة عاصم بن أبي النجود، حيث أحتج به في القراءات دون الأحاديث المسندات، لغلبة علم القرآن عليه، فصرف عنايته إليه."
قال يحيى بن سعيد: "تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث." ثم ذكر ليث بن أبي سُليم وجويبر بن سعيد والضحاك ومحمد بن السائب، وقال: "هؤلاء لا يُحمد أمرهم، ويكتب التفسير عنهم."
وقد حثّ العلماء على كَتب أحاديث المغازي لما فيها من العلم الكثير، قال الزهري: "في علم المغازي علم الآخرة والدنيا."
وقال إسماعيل بن محمد بن سعد: "كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدّها علينا، وسراياه، ويقول: يا بنيّ، هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها."
وقال عليّ بن الحسين: "كنّا نُعَلَّمُ مغازي النبيّ صلى الله عليه وسلم وسراياه كما نُعلَّم السورة من القرآن."
وكان مالك إذا سئل عن المغازي، قال: "عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنه أصحّ المغازي."
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة –رحمه الله- في ((مقدمة أصول التفسير)) (ص28): "أعلم الناس بالمغازي أهل المدينة، ثم أهل الشام، ثم أهل العراق، فأهل المدينة أعلم بها لأنها كانت عندهم، وأهل الشام كانوا أهل غزوٍ وجهاد فكان لهم من العلم والجهاد والسِّير ما ليس لغيرهم، ولهذا عظَّمَ الناسُ كتابَ أبي إسحاقَ الفَزاري الذي صنّفه في ذلك، وجعلوا الأوزاعي أعلمَ بهذا الباب من غيره من علماء الأمصار.
¥