القولين أدلته. والذي يظهر أن الحافظ ابن حجر يرى الرأي الأخير، يدل على ذلك قوله: " وأما الغلط فتارة يكثر من الراوي، وتارة يقل، فحيث يوصف بكونه كثير الغلط ينظر فيما أخرج [يعني البخاري] له؛ إن وجد مرويا عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط علم أن المعتمد أصل الحديث لا خصوص هذه الطريق، وإن لم يوجد إلا من طريقه فهذا قادح يوجب التوقف عن الحكم بصحة ما هذا سبيله، وليس في الصحيح بحمد الله من ذلك شيء. وحيث يوصف بقلة الغلط كما يقال: سيء الحفظ، أوله أوهام، أوله مناكير وغير ذلك من العبارات، فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك (هدي الساري/384)
وعلى كل حال مادام في المسألة قولان، وقد اختار صاحبا التحرير أحدهما فليس للدكتور ماهر أن يشنع عليهما، ويعد ذلك في أوهامهما، لأنه اختار القول الآخر.
الوقفة الرابعة عشرة
أحيانا يقع صاحبا التحرير في خطأ، ويكون لوقوعهما في ذلك الخطأ سبب، فيشنع الدكتور ماهر عليهما في ذلك الخطأ، ولايبين السبب ليزداد قبح خطئهما.
مثال هذا ماجاء في تعقب 379/ 4600 ص 468 في ترجمة عطاء بن أبي مسلم، قال صاحبا التحرير:
" نقل الترمذي في "العلل الكبير" عن البخاري أنه قال: رجل ثقة، روى عنه الثقات من الأئمة مثل مالك ومعمر وغيرهما، ولم أسمع أحدا من المتكلمين تكلم فيه بشيء "، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله: " تجرآ على إمام المحدثين وأستاذ الأستاذين أبي عبدالله البخاري فقولاه مالم يقل ... فالبخاري لم يوثقه ألبتة بل ولا نقل ذلك عنه أحد ... إلى أن قال عن نقلهما عن الترمذي قول البخاري: " هذا تقول على الإمام البخاري فلم يقل البخاري ذلك، ولم ينقله عنه الترمذي في العلل الكبير ".
أقول: لا شك أن صاحبي التحرير أخطآ في هذا النقل عن البخاري، لكن الذي يقرأ كلام الدكتور ماهر يظن أن صاحبي التحرير اخترعا ذلك الكلام ونسباه إلى الترمذي في العلل الكبير على أنه من كلام البخاري، وكان ينبغي أن يبين الدكتور ماهر الأمر على حقيقته حتى لايترك القارئ يستفحش مافعله صاحبا التحرير، ويظن أنهما اخترعا شيئا لا أصل له. وإذا راجعت العلل الكبير للترمذي وجدت فيه مايلي: قال أبو عيسى: وعطاء الخراساني رجل ثقة، روى عنه الثقات من الأئمة مثل مالك ومعمر وغيرهما، ولم أسمع أن أحدا من المتقدمين تكلم فيه بشيء. (علل الترمذي /373)، فالنص موجود برمته في علل الترمذي، لكنه من كلام الترمذي لا البخاري فاشتبه الأمر على صاحبي التحرير فنقلاه على أنه للبخاري.
الوقفة الخامسة عشرة
تعقب 465/ 6023 ص 540: في ترجمة محمد بن عبدالله بن أبي سليم المدني الذي قال فيه ابن حجر: "صدوق"، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما:"بل: ثقة، فقد وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، أما قول الذهبي في الميزان: لايعرف، فمدفوع بتوثيق النسائي له، وناهيك به من متثبت"، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله: " إنما أنزله الحافظ ابن حجر إلى رتبة صدوق؛ لتفرد بكير بن الأشج عنه، وهما يجهلان من حاله هكذا؛ لكن عدم المنهجية جعلت التنوع في الأحكام كثيرا عند المحررين".
أقول: لم يكن من منهج صاحبي التحرير تجهيل من لم يرو عنه إلا واحد وقد وثقه معتبر، وقد ذكرا في مقدمة التحرير 1/ 33 أن من ذكره ابن حبان في الثقات، وتفرد بالرواية عنه واحد، ولم يذكر لفظا يفهم منه توثيقه، ولم يوثقه غيره، فهو يعد مجهول العين. ثم إن الدكتور ماهرا لم يبين دليله على أن من لم يرو عنه إلا راو واحد وقد وثقه معتبر أنه يكون صدوقا لا من كلام الحافظ ولا من كلام غيره، فهذه قاعدة لا أعلم أحدا ذكرها. والذي ذكره ابن حجر في شرح النخبة أن مجهول العين لايقبل حديثه إلا أن يوثقه غير من ينفرد عنه على الأصح، وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلا لذلك (نزهة النظر/71).
وإذا كانت تلك القاعدة هي ماجرى عليه ابن حجر في التقريب، فلماذا
قال في زيد بن رباح: "ثقة" (تقريب التهذيب/353)، وقد تفرد بالرواية عنه مالك (انظر تاريخ الإسلام 9/ 141)،
وقال في عمر بن محمد بن جبير بن مطعم: " ثقة"، ماروى عنه غير الزهري (تقريب التهذيب/726)،
¥