وقال ناصر الفهد: إن المتتبع لأحكام المتقدمين على أحاديث المدلسين يجدهم مخالفين للمتأخرين تماما في مسألة الحكم على عنعنة المدلس، فلاتجد حديثا رده المتقدمون لمجرد العنعنة فقط، بل لابد من وجود التدليس فعلا أو علة حملوها على العنعنة بخلاف المعاصرين الذين يكتفون بمجرد رؤية الإسناد ثم يقولون: ضعيف، فيه فلان وهو وإن كان ثقة إلا أنه مدلس وقد عنعن (منهج المتقدمين في التدليس/155).
وقال الدكتور عواد الخلف: ويؤيد هذا القول – قبول حديث المدلس مطلقا إلا إذا تبين في حديث بعينه أنه لم يسمعه – صنيع عدد من الأئمة، منهم ابن عبدالبر حيث قال:" قتادة إذا لم يقل سمعت، وخولف في نقله فلاتقوم به حجة"، فقد اشترط لرد حديثه في حال عدم السماع المخالفة في النقل، أما إذا عنعن عنده ولم يخالف فعنعنته مقبولة، ويدل على ذلك قوله في موطن آخر:"قال بعضهم: قتادة إذا لم يقل سمعت أو حدثنا فلاحجة في نقله. وهذا تعسف "، كذا يدل عليه قول يعقوب الفسوي: " وحديث سفيان وأبي إسحاق والأعمش مالم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة" (روايات المدلسين في صحيح مسلم /65)
الوقفة التاسعة
في تعقب 64/ 205 ص 202: في ترجمة إبراهيم بن عبدالرحمن المخزومي ذكر صاحبا التحرير أن ابن خلفون وثقه، فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله: " وأما توثيق ابن خلفون فلم يذكره أحد سوى مانقله الدكتور بشار في تعليقه على تهذيب الكمال (2/ 133 - 134 هامش 3) عن إكمال مغلطاي (ا/الورقة56)، ولم ينقله أحد، وأنا أشك في ذلك النقل، لاسيما أن الحافظ لم ينقله في التهذيب مع ولعه بذلك "
أقول: ماكان ينبغي أن يشكك الدكتور ماهر في نقل شيخه، وقد حدد المصدر وعين الورقة التي ذكر فيها ذلك، وقد صدق الدكتور بشار في نقله، وقد طبع إكمال مغلطاي في سنة 1422هـ أي قبل صدور كتاب الدكتور ماهر بخمس سنين فكان الواجب عليه أن يراجع الإكمال قبل أن يشكك في نقل شيخه، ولو راجعه لوجد مغلطاي يقول في ترجمته: قال ابن خلفون: هو ثقة مشهور (إكمال تهذيب الكمال 1/ 240).
الوقفة العاشرة
في تعقب 72/ 235 ص 212: في ترجمة إبراهيم بن محمد بن العباس المطلبي الذي قال فيه ابن حجر: صدوق، فتعقبه صاحبا التحرير بقولهما:" بل: ثقة، وثقه النسائي، والدارقطني، وابن حبان، وقال أبوحاتم وحده: صدوق، ولا أعلم فيه جرحا" فتعقبهما الدكتور ماهر بقوله: " قولهما:" قال أبوحاتم وحده صدوق" غير صحيح فقد نقل الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب عن صالح بن محمد أنه قال عنه:صدوق فالحافظ لم يأت بدعا من القول، فقد أخذ بقول عالمين معتبرين ".
أقول: قد أصاب صاحبا التحرير في حكمهما على هذا الراوي بأنه ثقة.فقد قال النسائي: ثقة، وقال الدرقطني: ثقة، وأحسن الإمام أحمد الثناء عليه (تهذيب الكمال 2/ 175).
ولما سأل أبوداود الإمام أحمد عمن يكتب بمكة أجاب بذكر اثنين، هذا أحدهما (انظر سؤالات أبي داود/237).
والإمام أحمد لا يأمر بالكتابة إلا عن الثقات، وقال في عدد من الرواة: " اكتب عنه فإنه ثقة " (انظر تاريخ بغداد 3/ 322، 7/ 331، 13/ 319، الكامل 5/ 213)
وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 73)، وروى له في صحيحه ثلاثة أحاديث، كلها صحيحة (انظر الإحسان ح 2282، 3946، 5465)
وقال ابن عبدالبر: كان ثقة حافظا للحديث (الانتقاء /104).
وذكره ابن خلفون في الثقات، وذكر أنه من أهل الثقة والأمانة (إكمال تهذيب الكمال1/ 179).
وقال الذهبي: ثقة (الكاشف 1/ 221).وقال أيضا: كان كثير الحديث ثقة (العبر 1/ 425).
وقال الألباني: شيخ لابن ماجه، وهو ثقة (السلسلة الصحيحة 5/ 125).
ويتحصل من هذا كله أن هذا الراوي ثقة، ولم يشر أحد في ترجمته إلى أنه وقع في أوهام أو أخطاء تقتضي إنزاله عن مرتبة الثقة.
وأما قول أبي حاتم فيه "صدوق" فلاينافي ماتقدم لأن أباحاتم من المتشددين في التعديل، وأطلق هذه اللفظة على بعض كبار الحفاظ كالإمام مسلم بن الحجاج.
¥