ـ[خزانة الأدب]ــــــــ[14 - 01 - 10, 03:18 م]ـ
العلاقة بين المدوَّنة والمسند! (4)
( ... تابع لما سبق)
المثال الثالث:
مقارنة بين (كتاب البيوع) من المسند، ونظيره من المدوَّنة!
(1) يشتمل (كتاب البيوع) من المسند على ثلاثة أبواب:
• باب ما ينهى عنه من البيوع
• باب في بيع الخيار وبيع الشرط
• باب في الربا والانفساخ والغش
ويبلغ الأحاديث فيه 32 حديثاً، يضاف إليهما حديثان جعلوهما تابعين لما قبلهما، فيصير المجموع 34 حديثاً
كما يشتمل على شروح وآراء فقهية مهمَّة للربيع وأبي عبيدة وابن عباس رضي الله عنه.
(2) وكذلك يوجد في المدوَّنة (كتاب البيوع)، وهو طويل، إذ يقع بين صفحتي 121 - 154 من الجزء الثاني.
ومن الصعب تصوير هذه الصفحات الكثيرة، فليرجع من يشاء إلى الكتاب (وقد أثبتنا رابط التحميل أعلاه)
ويحتوي الباب على عدد كبير جداً من الروايات الفقهية، يرويها أبو غانم عن أشياخه من فقهاء الأباضية (وهم: أبو المؤرج، ابن عبدالعزيز، الربيع، ابن عباد، وائل، محبوب، حاتم بن منصور، أبو غسان). ومنها عدد لا بأس به عن شيخه الربيع.
كما يحتوي على أحاديث غير قليلة، يرويها أبو غانم عن أبي المؤرِّج غالباً، وعن ابن عبدالعزيز أحياناً، ومعظمها عن أبي عبيدة. ولا شيء من طريق الربيع!
(3) الناظر في أسماء أشياخ أبي غانم، وعدد رواياته الفقهية والحديثية، يدرك أن الإباضية المعاصرة يجب عليها أن تعتبر كتابه عمدة في فقه المدرسة الإباضية البصرية وحديثها، وأن تستشكل التعارض إن وُجد، بينه وبين المسند المنسوب للربيع، الذي يعتبرونه أيضاً (عمدة في فقه المدرسة الإباضية البصرية وحديثها)!
بل التعارض بينهما أخطر من المعتاد! لأن أبا غانم يروي عن الربيع رأساً، كما يروي عنه بواسطة هؤلاء الأشياخ الكبار (وقد سمَّى واسطتين: وائل ومحبوب، وقد يكون هناك غيرهما). وفي هذا دلالة على أمر لا أظنّ أن الإباضية المعاصرة تخالف فيه، وهو أن الربيع أسنُّ من بقية أشياخ أبي غانم، فلذلك أخذ أبو غانم عنه وعن تلاميذه الكبار. بل ربما يكون قد أخذ عنهم بعد موت الربيع. وهو بلا شكّ أعلى قدرًا منهم عند الإباضية المعاصرة، ما دام أنها تعتبره الإمام الثالث للطائفة في أمور الدين والدنيا.
(4) فالمتوقَّع - بناء على ما سبق - أن يكون أبو غانم على معرفة تامَّة بمصنَّفات شيخه وشيخ شيوخه الربيع، وبأحاديثه وآرائه الفقهية؛ وأن يكون بقية شيوخ أبي غانم على معرفة تامَّة بمصنَّفات الربيع وبأحاديثه وآرائه الفقهية، إما لأنه شيخهم أيضاً، وإما لأنه إمام طائفتهم المطاع المتبوع. ويزداد هذا المعنى لزوماً إذا إذا كان الربيع قد صنَّف لهم مسنداً (أو جامعاً صحيحاً)، وحشد فيه روايات إمامهم الأعظم أبي عبيدة، فالمتوقَّع أن يقع هذا المسند (الرسمي!) موقع القبول التامّ من جميع أشياخ أبي غانم ومن أبي غانم نفسه.
(5) وإذن لا يستطيع المنصف من الإباضية المعاصرة أن يفسِّر التعارض - إن وُجد - بين المسند والمدوَّنة بأن المدوَّنة قد صُنِّفت قبل المسند! أو قبل أن يتَّخذ المسند صورته النهائية! كما قيل أعلاه! بل يجب أن لا يوجد تعارض بين الكتابين ولو لم يطَّلع أبو غانم على المسند، ما دام أنه قد حصَّل روايات الربيع صاحب المسند!
(6) وقد يقول قائل: المدوَّنة مجرَّد كتاب مسائل وفتاوى، ولا يلزم أن يُسأل هؤلاء الشيوخ عن جميع مسائل المسند، ولا أن يستحضروا جميع نصوصه في إجاباتهم!
وهذا الاعتراض يصلح لتفسير عدم التطابق في مسألة واحدة أو بضع مسائل، أما أن يشتمل هذا الكتاب الكبير على ألوف المسائل والفتاوى، فلا نكاد نجد ذكراً للروايات والآراء التي رواها الإمام الأعظم عن الإمام الأعظم الذي قبله، وكتبها في المسند الأعظم، فهذا إشكال عظيم!
(7) إن أول ما يُستغرب في في (كتاب البيوع) من المدوَّنة: أن هذا الإمام الأعظم - أعني الربيع بن حبيب - ليست أي رواية حديثية في هذا الباب!
بل كان أبو غانم يروى الأحاديث عن أبي المؤرِّج غالباً، وعن غيره أحياناً، ولكن لا شيء عن الربيع!
وقد أحصى البوسعيدي جميع أحاديث المدوَّنة بحسب الشيوخ، فجاء الربيع رابعاً، بعد أبي المؤرِّج وابن عبدالعزيز وحاتم بن منصور! وبلغ عدد رواياته 12 من 129، أي أقلَّ من العُشر!
¥