تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والسلام: "إن في الصلاة لشغلاً"، قال أبو المؤرج: ومن أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ناسخ ومنسوخ، والقرآن قد نسخ بعضه بعضاً، وقد فعل النبي عليه الصلاة والسلام أشياء مثل هذا ورجع عنها).

إنّ استشهاد الإباضية المعاصرة بمثل هذا على صحة المسند يدل على الإفلاس المطلق!

فإنَّ نصّ المدوَّنة صريح بأن أبا عبيدة روى الحديث لأبي المؤرِّج، وأن أبا المؤرِّج والربيع يفتيان بخلافه. وليس فيه أن الربيع قد روى ذلك الحديث، لا في المسند ولا في غيره! وهذا يؤكِّد الاستنتاج أعلاه، وهو أن أبا غانم قد اعتمد في المادّة الحديثية على أبي المؤرِّج، لا على الربيع ولا على مسند الربيع.

والإباضية يعلمون يقيناً أن هذا الحديث لم يرد في المسند! وأنه لا يدلّ بحال من الأحوال على وجود المسند في القرون الأولى! ولكنَّهم يكتمون ذلك عن العامَّة! ويزعمون أن المسند كان مشهوراً بحيث لا نحتاج فيه إلى الإسناد أصلاً!

ووجه استشهادهم بالنصّ: أن أبا المؤرِّج يروي عن أبي عبيدة عن جابر، فكذلك الربيع يروي عن أبي عبيدة عن جابر!

والواقع أن الإشكال ليس في أصل رواية الربيع وأبي المؤرِّج وسائر إباضية البصرة عن أبي عبيدة عن جابر، بل في هذا الكتاب الذي أخرجه الورجلاني في القرن السادس وزعم أنه يتضمَّن مسند الربيع عن أبي عبيدة عن جابر! وكان ينبغي أن يشتمل على هذا الحديث الذي يصرِّح أبو المؤرِّج بأنه منسوخ، وأن يقول الربيع رأيه فيه!

والغريب أن مسند الربيع الذي أغفل حديث رد المصلِّي للسلام - مع وجود دعوى النسخ فيه ومخالفته للواقع العملي - أورد حديث رد البائل للسلام:

84 - أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ... قال: وقد مر برسول الله صلى الله عليه وسلم رجل وهو يريد البول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام

فالنصوص التي يُسندها صاحب المسند إلى أبي عبيدة لا يعرفها صاحب المدوَّنة، والعكس بالعكس!

وهذا مثال من عشرات الأمثلة أو مئائها على التفاوت العظيم بين أحاديث المسند والمدوَّنة!

(6) جاء في المدوَّنة 1/ 91 (سألت أبا المؤرج وأبا سعيد عن صلاة الفطر والأضحى، قالوا جميعاً: يستفتح بتكبيرة الافتتاح، ثم يكبر أربع تكبيرات يوالي بينهن، ثم يقرأ ويكبر ويركع ويسجد، فإذا فرغ من قراءته الثانية كبر ثلاث تكبيرات، ثم يكبر التي يركع بها، ويركع ويسجد.

قال أبو المؤرج: وهذا أحسن ما سمعت من أبي عبيدة، والذي كان عليه رأيه، وقد كان يجيز التكبير بتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، إنما يجعل الشفع أولا والوتر آخراً.

قال: وإن كبرت بتسع فكبر في الأولى أربعاً وفي الآخرة خمساً، وإن كبرت إحدى عشرة فكبر أولاً ستاً ثم تستفتح القراءة، ثم تقرأ وتسجد، فإذا نهضت قائماً فاقرأ، فإذا فرغت من قراءتك فكبر خمساً. وإن كبرت ثلاث عشرة فكبر أولاً خمساً ثم تركع وتسجد، فإذا نهضت قائماً فاقرأ، فإذا فرغت من قراءتك فكبر خمساً، ثم تركع فإذا رفعت رأسك من الركوع فكبر ثلاثاً، ولا يكبر بعد الركوع إلا الذي يكبر بثلاث عشرة تكبيرة.

قال أبو المؤرج: قال أبوعبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس: كل ما وصفت لك من هذا التكبير في صلاة الفطر والأضحى كله جائز على حال ما وصفت لك).

وصفة صلاة الفطر والأضحى لا توجد في مسند الربيع أصلاً!

(7) جاء في المدوَّنة 1/ 105 (قال حاتم بن منصور: حدثني من أثق به أن ابن النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم انكسفت الشمس قال أناس من الناس: إنما انكسفت الشمس لموت ابن النبي عليه الصلاة والسلام وتحدثوا في ذلك، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس؛ إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت بشر، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فاذكروا الله وادعوه. ثم هبط وصلى بالناس ركعتين رفع فيهما صوته بالقراءة).

الموجود في مسند الربيع حديثان:

194 - أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقام قياما طويلا فقرأ نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم سجد ثم انصرف وقد انجلت الشمس. ثم قال: إن الشمس والقمر آيتين من آيات الله عز وجل لا يخسفان لموت بشر ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله.

195 - أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ولده إبراهيم عليه السلام فصلى بالناس فقام وأطال القيام. قال الربيع: وقد ذكرنا صلاته في حديث ابن عباس. قال جابر: قالت عائشة: فلما انصرف من الصلاة خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت بشر ولا لحياته وإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروه وتضرعوا وتصدقوا. ثم قال: يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. قالت عائشة: وأمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر. قال الربيع: وكان جابر ممن يثبت عذاب القبر.

لقد كان يكفي أبا غانم أن يروي هذين الحديثين عن شيخه الربيع، إمام الطائفة ومحدِّثها المعمَّر (على قولهم)، وهما متَّصلان إلى ابن عباس وعائشة. ولكنَّه أورد حديثاً منقطعاً عن شيخه حاتم بن منصور، لم يسنده حاتم إلى أبي عبيدة، بل أبهمه بقوله (حدثني من أثق به)، وهذا الحديث يزيد على الحديثين بأن الشمس كسفت يوم الوفاة وأن الناس تحدثوا في ذلك وبلغ حديثهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويختلف عنهما بأن الخطبة كانت قبل الصلاة! وينقص عنهما: في صفة الصلاة ومقدار القراءة فيها، وأن الشمس انجلت عند انصرافه، وأنه أمرهم بالاستعاذة من عذاب القبر، وقول الربيع: كان جابر ممن يثبت عذاب القبر.

وهذه الفروق تدلّ دلالة واضحة على أن أبا غانم وشيخه حاتم بن منصور لم يسمعا بهذين الحديثين، ولا بمسند الربيع!

نفس التناقض والإشكال!

( ........... يتبع إن شاء الله)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير