ثانيا: ذكر تضعيف أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة لحديث (تحريم لحوم الحمر الأهلية وكلّ ذي ناب من السّباع وكلّ ذي مخلب من الطّير) وطعنه في بعض قائله (أو ناقليه)، ونص ابن بركة يثير عدة إشكالات هي:
أ) تضعيف أبي عبيدة للخبر من جهة إسناده، في حين أنّ إسناده في المسند لا غبار عليه، وأبو عبيدة هو أحد رواته. (1/ 397، 400. 2/ 83)
ب) قول ابن بركة: (لأنّ إسناده ثابت ورجاله معهم عدول. 1/ 400) هل يقصد بـ (معهم) أصحابنا من أهل عمان وبـ (رجاله معهم عدول) رجال المسند، أم يقصد مطلق النّاس الذين حكى عنهم أنّهم على قولين؟ فإن كان يقصد به الأصحاب ورجال المسند فلماذا حكى عن أبي عبيدة تضعيفه لإسناد الحديث؛ وإسناده في المسند صحيح؟ وإن كان يقصد بعدالة الرّجال إسناد الحديث عند المخالفين بدليل قوله: (وانتشار الخبر في المخالفين وقولهم به كالمشهور فيهم) فإنّ هذا يعني: إمّا أنه لا يعرف رواية المسند، وإمّا أنها لا تصحّ؛ وكلا الاحتمالين مستبعد.
ج) لو ذكر أنّ الحديث مضعّف من جهة متنه لقلنا إنّ نظرته إلى رواية الرّبيع كغيرها من الروايات؛ قد تصحّ سندا ولا تصحّ متنا، وقد كاد أن يصرّح بذلك عندما قال: (قال أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة ومن تابعه من أصحابنا: يجوز أكل ذلك، وتعلّقوا بالآية التي في سورة الأنعام ... والنّاس في الخبر إذا ورد بعد نزول الآية من القرآن على قولين إذا كان الخبر معارضا للآية يرفع به بعض حكمها ... وقال الفريق الثّاني: إنّ السّنّة لا تنسخ الكتاب ... )، ولكنه عاد فأكّد بأنّ تضعيف أبي عبيدة للحديث إنّما هو من جهة السّند. ونحن نجد أن سند الرّبيع لا مطعن فيه، إلا أن يقول قائل: إنّ هذا السّند لا نعرفه. وفي كلّ الاحتمالات يبقى النّصّ مشكلا محتاجا إلى ما يفك غموضه. (2/ 82).
ثالثا: ذكر حديث جمع الصّلاتين في الحضر، ونسب الرّواية لبعض المخالفين وشكّك في صحّتها حيث قال: (والله أعلم كيف كان جمعه إن كان ما رووه صحيحا)، وبالمقابل نسب القول بالجمع عند الضرورة لأصحابنا لروايات ثبتت عندهم، فهل يعني أنّ رواية الرّبيع غير ثابتة عندهم؟ أم أنّها منسوخة، أو معارضة بما هو أقوى منها (مثل قول ابن عباس: من جمع بين الصّلاتين في الحضر من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر)؟ (1/ 576 - 577).
وهذه الطعون معروفة من قبل، وقد استشهد بها الناس على جهالة ابن بركة بالمسند، ولا سيما تضعيف أبي عبيدة لحديث يرويه المسند عن أبي عبيدة! وكان يجب على الباحث أن يخصص لها فصلاً كاملاً للدفاع عن مسند طائفته!
وقد اقتبستُ كلامه على طوله لإثبات إقراره بأنَّ هذه النصوص لا تزال مشكلة! أي إنَّه لم يَجِد جواباً شافياً لها!
وانظر إلى تخريجه (وربما قد اعتبر [ابن بركة] الرّبيعَ من أهل الحديث، من باب المصطلح العام، لا من باب المصطلح الخاص)، مع أن ابن بركة لم يذكر اسم الربيع أصلاً، لا في هذا الموضع ولا في غيره!
فمن المعاند بالله عليكم:
الذي يقول: كلام ابن بركة يدلّ على أنه لم يسمع بالمسند أصلاً؟!
أم الذي يقول بعد أن أطال البحث وعجز عن الجواب: ابن بركة قد نقل عشرات النصوص من المسند، ووجود المسند في عهده أمرٌ لا ينكره إلاّ معاند؟!
* هل توجد في كتاب ابن بركة أحاديث توجد في المسند بنفس الأسانيد؟
الجواب: سرد الباحث 33 حديثا زعم أنها من هذا القبيل، و اتَّضح أن المقصود هو أن ابن بركة يروي الحديث عن ابن عباس مثلاً، فيكون قد نقله من المسند لأن المسند يرويه عن ابن عباس أيضاً! هذا هو معنى تطابق الإسناد عند الباحث!
ويقولون: بحث علمي! رسالة جامعية! الحق أحق أن يتَّبع!
* هل توجد في كتاب ابن بركة أحاديث توجد في المسند بنفس المتون؟
الجواب: سرد الباحث 116 حديثا زعم أنها من هذا الباب، وفي بعضها تشابه في العبارة أو تطابق أحيانًا، وفي بعضها إشكالات واختلافات. ولكنَّ بيت القصيد أن ابن بركة لم ينسب شيئاً منها إلى الربيع ولا إلى مسند الربيع ولا إلى أبي عبيدة شيخ الربيع! فوجود هذه الأحاديث في كتاب ابن بركة إنَّما يدلّ على وجودها في عصره، لا على وجود مسند الربيع، ولا على أن ابن بركة قد نقلها من مسند الربيع!
* هل توجد في المسند أحاديث لا توجد في كتاب ابن بركة مع أنه بحث مضمونها؟
¥