في كتب الحديث فالذين قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا)) هم جماعة من الصحابة الذين تأخرت صحبتهم فكان بين منزلة أول الصحابة وآخرهم أن إنفاق مثل أحد ذهبا من متأخيرهم لا يبلغ مثل إنفاق نصف مد من متقدميهم.
ثم تأمّا أن الشوكاني بدأ يناقش ويرد على من قال بأفضلية مجموع من جاء بعد الصحابة على الصحابة لأجل حديث ((أجر خمسين منكم)) فقال:
وأما أعمال من بعد الصحابة فلم يرد ما يدل على كونها أفضل على الإطلاق إنما ورد ذلك مقيدا بأيام الفتنة وغلبة الدين حتى كان أجر الواحد يعدل أجر خمسين رجلا من الصحابة، فلم يرد ما يدل على كونها أفضل على الإطلاق إنما ورد ذلك مقيدا بأيام الفتنة وغربة الدين حتى كان أجر الواحد يعدل أجر خمسين رجلا من الصحابة فيكون هذا مخصصا لعموم ما ورد في أعمال الصحابة فأعمال الصحابة فاضلة وأعمال من بعدهم مفضولة إلا في مثل تلك الحالة ومثل حالة من أدرك المسيح إن صح ذلك المرسل وبانضمام أفضلية الأعمال إلى مزية الصحبة يكونون خير القرون ويكون قوله لا يدري خير أوله أم أخره باعتبار أن في المتأخرين من يكون بتلك المثابة من كون أجر خمسين هذا باعتبار أجور الأعمال، وأما باعتبار غيرها فلكل طائفة مزية كما تقدم ذكره لكن مزية الصحابة فاضلة مطلقة باعتبار مجموع القرن لحديث خير القرون قرني، فإذا اعتبرت كل قرن قرن ووازنت بين مجموع القرن الأول مثلا ثم الثاني ثم كذلك إلى إنقراض العالم فالصحابة خير القرون ولا ينافي هذا تفضيل الواحد من أهل قرن أو الجماعة على الواحد أو الجماعة من أهل قرن آخر فإن قلت ظاهر الحديث المتقدم أن أبي عبيدة قال يا رسول الله ((أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك فقال قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولا يروني)) يقتضي تفضيل مجموع قرن هؤلاء على مجموع قرن الصحابة قلت ليس هذا الحديث ما يفيد تفضيل المجموع على المجموع وإن سلم ذلك وجب المصير إلى الترجيح لتعذر الجمع ولا شك أن حديث خير القرون قرني أرجح من هذا الحديث بمسافات لو لم يكن إلا كونه في الصحيحين وكونه ثابتا من طرق وكونه متلقي بالقبول فظهر بهذا وجه الفرق بين المزيتين من غير نظر إلى الأعمال كما ظهر وجه الجمع باعتبار الأعمال على ما تقدم تقريره فلم يبق ههنا إشكال والله أعلم)
نيل الأوطار (9/ 168) وهو آخر الكتاب.
وإليكم هذا الاستدلال الذي لم أقف على أحد سبقني إليه والحمد لله على ما أكرم وأنعم ـ وأسأله سبحانه مزيدا من فضله وإنعامه مع دوام الشكر، وألا يكلني إلى نفسي طرفة عين:
قال الله جلّ وعلا: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} (الواقعة: 10ـ 14)
ثم قال سبحانه: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} (الواقعة: 27) إلى أنا قال جلّ وعزّ {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ* وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} (الواقعة:39 ـ 40).
فعلى قول من يرى أن الصحابة السابقين منهم ومن جاء بعدهم والفاضلين منهم والمفضولين على حدّ سواء أفضل من جميع من جاء بعدهم يكون مقتضى ذلك أن الثلة من الأولين من أصحاب اليمين أفضل من القليل من الآخرين من السابقين السابقين وهذا من أعظم المنكر.
ويعلم الله بعد أن كتبت ما كتبت رجعت إلى تفسير ابن سعدي لهذه الآيات، فوجدت ما نصّه:
{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} أي: السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات.
أولئك الذين هذا وصفهم، المقربون عند الله، في جنات النعيم، في أعلى عليين، في المنازل العاليات، التي لا منزلة فوقها.
وهؤلاء المذكورون {ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ} أي: جماعة كثيرون من المتقدمين من هذه الأمة وغيرهم
{وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ}.وهذا يدل على فضل صدر هذه الأمة في الجملة على متأخريها، لكون المقربين من الأولين أكثر من المتأخرين. والمقربون هم خواص الخلق).اهـ تفسير سورة الواقعة من تيسير الكريم الرحمن
أعود فأقول:
¥