تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1 - جزم الإمام الدارقطني - رحمه الله - به، وللدارقطني قدم راسخة في هذا العلم، ومخالفة مثله فيما يجزم به مزلة أقدام، ثم إن البيهقي - رحمه الله - تابع الدارقطنيَّ على ذلك، ولم يبدِ عليه اعتراضًا.

2 - النظر في التاريخ والبلدان، وله احتمالان:

أحدهما: قال ابن حبان بعد أن أخرج حديثًا لعبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين في صحيحه (6/ 258 - ترتيبه): «هذا إسناد قد توهم من لم يحكم صناعة الأخبار ولا تفقه في صحيح الآثار أنه منفصل غير متصل، وليس كذلك ... ، فلما وقعت فتنة عثمان في المدينة خرج بريدة عنها بابنيه، وسكن البصرة ... ، ثم خرج بريدة منها بابنيه إلى سجستان فأقام بها غازيًا مدة، ثم خرج منها إلى مرو على طريق هراة، فلما دخلها وطنها، ومات سليمان بن بريدة بمرو وهو على القضاء بها سنة خمس ومئة ... »، وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/ 630): «حدثنا أحمد بن شبويه قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة قال: (جئت إلى أمي يوم قتل عثمان - رحمة الله عليه -، فقلت: يا أمه، قتل الرجل، فقالت: يا بني، اذهب فالعب مع الغلمان)»، وهذا الإسناد صحيح عن عبد الله بن بريدة.

ومن هذا يُعلم أن عبد الله بن بريدة كان غلامًا صغيرًا وقت مقتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه -، فسماعه من عائشة في المدينة مستبعد، ثم خرج بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - بابنيه إلى البصرة بعد ذلك، وكان خروج عائشة - رضي الله عنها - إلى البصرة مقارب لذلك الوقت، فإنها خرجت مع بعض الصحابة إلى البصرة، وشهدت وقعة الجمل التي وقعت في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وعادت في رجب من تلك السنة (البداية والنهاية: 10/ 452، 472)، فمكث عائشة - رضي الله عنها - في البصرة كان قصيرًا جدًّا، وكان عبد الله بن بريدة خلاله غلامًا صغيرًا، لأن ذلك كان بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه - بأشهر، وقد سبق حال ابن بريدة أيام مقتل عثمان، ثم انتقل بريدة بابنيه عن البصرة، وازداد ضعف احتمال تحمّل عبد الله بن بريدة الروايةَ عن عائشة.

وقد يُشكل على هذا أنه ورد عن عبد الله بن بريدة قوله: «ولدت لثلاث خلون من خلافة عمر» (تاريخ دمشق: 27/ 127، 128)، واعتمد هذا بعضُ العلماء، ويجاب عنه بأن قول ابن بريدة هذا جاء من طريق أبي تميلة عن رميح بن هلال الطائي عنه، وقد قال أبو حاتم في رميح بن هلال: «مجهول لا يعرف، لا أعلم روى عنه غير أبي تميلة»، وقال ابن حبان: «ينفرد عن المشاهير بالمناكير» (الجرح والتعديل: 3/ 522، ميزان الاعتدال: 2/ 54)، فهذه الرواية ساقطة، ولذا فقد مرَّض القول بها أبو نصر الكلاباذي (تاريخ دمشق: 27/ 133)، والرواية الأخرى التي تفيد أنه كان غلامًا إذ قُتل عثمان - رضي الله عنه - أقوى سندًا وأصح، فهي المعتمد.

الاحتمال الثاني: قول بعض أهل التاريخ: إن بريدة غزا خراسان في خلافة عثمان - رضي الله عنه -، فلم يزل بها حتى مات بمرو (طبقات ابن سعد:

7/ 8، الإصابة: 1/ 286)، وعليه فيكون خبر مقتل عثمان - رضي الله عنه - قد بلغهم وهم في خراسان، وهذا يعارض ما جاء عن أبي تميلة عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة قال: «شهدت الدار يوم قتل عثمان فرأيت الحسن بن علي معه» (تاريخ دمشق: 27/ 130)، فإن صححنا كلام ابن سعد وأكدناه، فإن في هذه الرواية وهمًا، والراوي عن أبي تميلة على هذا الوجه هو عمار بن الحسن النسائي، وقد خالفه ثلاثة: زكريا بن عدي والمنجاب بن الحارث وعثمان بن أبي شيبة، رووه عن أبي تميلة عن رميح بن هلال عن عبد الله بن بريدة قوله: «ولدت لثلاث خلون من خلافة عمر»

- وقد سبق -، وإن صح عن أبي تميلة، فإنه قد خالفه الفضل بن موسى، رواه عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة قوله: «جئت إلى أمي يوم قتل عثمان ... » وسبق أيضًا، والفضل ثقة حافظ، قورن بابن المبارك، وقد قدَّم ابن المديني أبا تميلة عليه لأن الفضل روى أحاديث مناكير، إلا أن تأثير هذا قد يتأكد في رواية الأحاديث، إذ إن ما أُخذ على الفضل رواية بعض الأحاديث المناكير، أما في الأخبار والتواريخ فقد لا يؤثر هذا كثيرًا، وما دامت رواية أبي تميلة مخالفة لما عليه أهل التاريخ - على فرض تصحيحه - فإن رواية الفضل بن موسى تقدَّم عليها.

وإن خطَّأنا كلام ابن سعد، سقط هذا الاحتمال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير