كان سمع الجامع، وكان لا يحدث به، وكان يقرأ علينا كتاب الأشجعي ... »، وقال يعقوب بن شيبة: «وكانت عنده كتب الأشجعي وكان معروفًا بها» [97]، ولعل الإمام أحمد كان لا يأخذ عنه إلا ما تأكد أنه صحيح عن الأشجعي، لئلا يقع في روايته عنه ما أنكر عليه روايته عن الأشجعي، والله أعلم.
والمقصود من هذا: أن الغالب أن الواسطة بين الإمام أحمد والأشجعي إما كتبه أو بعض الثقات، فلعل تعليقه الرواية عن الأشجعي لا يضر، بل ربما كان ينقل من كتاب الأشجعي، ففي سنن البيهقي [98] من طريقه قال في حديثٍ: « ... ورأيت في كتاب الأشجعي كما رواه وكيع ... ».
- ورواه ابن المبارك وكادح بن رحمة وخالد بن عمرو وأبو حذيفة النهدي بلفظ: فقام فرفع يديه أول مرة ثم لم يعد، ولفظ كادح: فكبر ورفع يديه مرة واحدة،
- وأما معاوية بن هشام، فقال الدارقطني: «وكذلك رواه معاوية بن هشام أيضًا عن الثوري مثل ما قال الجماعة عن وكيع» [99]، يعني: أنه لم يقل: (ثم لم يعد)، وقد قرن أبو داود روايته برواية خالد بن عمرو وأبي حذيفة، قال: حدثنا الحسن بن علي، حدثنا معاوية وخالد بن عمرو وأبو حذيفة قالوا: حدثنا سفيان بإسناده بهذا قال: «فرفع يديه في أول مرة»، وقال بعضهم: «مرة واحدة»، فلعل الذي قال: «مرة واحدة» هو معاوية بن هشام كما نقل الدارقطني.
ومنه، فقد زاد قوله: (ثم لم يعد) عن الثوري ابنُ المبارك وكادح بن رحمة (وهو ضعيف، وتُكُلِّم في حديثه عن الثوري) وخالد بن عمرو (وهو كذاب) وأبو حذيفة النهدي (وهو ضعيف، وتُكُلِّم في حديثه عن الثوري)،
ولم يزدها الأشجعي ولا معاوية بن هشام عن الثوري، وأما وكيع، فكان يزيدها أحيانًا، ويتركها أحيانًا، وبين الإمام أحمد أنه كان يزيدها من تلقاء نفسه، وربما كان سمعها في بعض الروايات السابقة التي زيدت فيها، فحسب أنها في الحديث، فزادها مراتٍ، ثم تركها.
والأشجعي من أثبت الناس في الثوري، خاصة إذا كانت الرواية من كتابه عنه، ولعل هذا منها، ويمكن أن يجعل وكيع متابعًا للأشجعي، لما سبق، ومعهما معاوية بن هشام، وهو من الصدوقين، وله كثرة في الرواية عن الثوري، والمخالف الحقيقي لهؤلاء: ابن المبارك، أما من تابعه فلا اعتداد بمخالفتهم،
ورواية الثلاثة أرجح من رواية ابن المبارك، وكلهم كوفيون كالثوري، وليس ابن المبارك كذلك، وفيهم أثبت الناس كتابًا في الثوري: الأشجعي (ولعل هذا الحديث من كتاب الأشجعي عن سفيان)، ولأن ابن إدريس المتابعَ للثوري عن عاصم بن كليب رواه بدون ذكر عدم العود إلى الرفع، ورواية بعض تلاميذ المختَلَفِ عليه على وجهٍ يوافق فيه بعضَ من تابع شيخَهُ= أقوى.
وإعلال لفظ (ثم لم يعد) هو ما تتابع عليه جمعٌ من الأئمة، على خلاف بينهم في تحميل الخطأ في الزيادة، فبعضهم حملها الثوري، وبعضهم حملها وكيعًا، والبيان السابق يرجّح أن وكيعًا هو الذي كان يزيدها، لا الثوري، فتحميلها وكيعًا أقوى.
وهذا كلام الأئمة في ذلك:
- قال عبد الله بن المبارك: «لم يثبت عندي حديث ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه أول مرة ثم لم يرجع، وقد ثبت عندي حديث رفع اليدين، ذكره عبيد الله ومالك ومعمر وابن أبي حفصة عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -»، قال: «وأراه واسعًا»، ثم قال: «كأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يرفع يديه في الصلاة لكثرة الأحاديث وجودة الأسانيد» [100]،
- وقال الشافعي: «ولا يثبت عن علي وابن مسعود»، قال البيهقي: يعني: ما رووه عنهما من أنهما كانا لا يرفعان أيديهما في شيء من الصلاة إلا في تكبيرة الافتتاح [101]،
- وأسند الإمام أحمد رواية ابن إدريس ثم قال: «هذا لفظ غير لفظ وكيع، وكيع يثبج الحديث، لأنه كان يحمل نفسه في حفظ الحديث» [102]، ومعنى (يثبج): لا يأتي به على وجهه،
- وقال البخاري بعد أن ذكر رواية الثوري، ثم النقلَ عن كتاب ابن إدريس: «فهذا أصح، لأن الكتاب أحفَظُ عند أهل العلم، لأن الرجل ربما حدث بشيء ثم يرجع الى الكتاب فيكون كما في الكتاب»، ثم أسند رواية ابن إدريس وقال: «وهذا المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله بن مسعود» [103]،
- وقال أبو داود بعد أن أخرج رواية وكيع: «هذا حديث مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ»،
¥