تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجاءت رواية لأبي أسامة حماد بن أسامة عن هشام بن عروة، عن رجل، عن أبي سلمة، عن عائشة.

ويترجح مما سبق: أنه يصح عن هشام بن عروة رواية حماد بن سلمة عنه، لا لأن حمادًا ثقة حافظ فقط، وإنما لأنه قد دلّت القرائن على أن هشامًا قد روى الوجهين:

- فهشام حافظ مكثر،

- وقد توبع حماد بن سلمة على هذه الرواية عن هشام؛ تابعه أبو إسحاق الفزاري - كما سبق -،

- وقد توبع هشام على الرواية على هذا الوجه - كما سبق -؛ تابعه محمد بن إبراهيم التيمي - إن صح عنه -.

وأما لو كان الجميع يروونه عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، وخالفهم حماد بذكر أبي سلمة مكان عروة والد هشام - كما كان الألباني رحمه الله اعتمد وقرر - ولا قرائن دالةً على ضبط حماد لهذا الوجه = فإن الحكم للأكثر، ولو اعتُرض باحتمال أن حمادًا حفظه، قيل: ولمَ لم يحفظه الجماعة المتكاثرون من كبار الأئمة الثقات، وبعض آحادهم أوثق من حماد بمراحل، وانفرد بحفظه حماد؟! ولم لا يحتمل أن حمادًا أخطأ فيه؟! وإذا كانت الجماعة ترويه على وجه وحماد ينفرد بوجه، فما الذي يمنع من تخطئة حماد بعد هذا البرهان الواضح، والقرينة القوية المؤدية إلى غلبة الظن بوقوع الخطأ؟! وقد سبق النقل عن الأئمة أن غلبة الظن هي مدار الأحكام والتعليلات.

وهذه نصوص أخرى قد توضح شيئًا من منهج الألباني - رحمه الله -:

قال - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة، حديث (961): " إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه. يعني القرآن ":

«أخرجه الترمذي (2/ 150): حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عن جبير ابن نفير مرفوعًا مرسلاً.

قلت: وسكت عليه الترمذي، وقال البخاري في " أفعال العباد " ص (91): " هذا الخبر لا يصح لإرساله وانقطاعه ".

قلت: لكنه ورد موصولاً، فأخرجه الحاكم (1/ 555) وعنه البيهقي في " الأسماء الصفات " (236) من طريق سلمة بن شبيب حدثني أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عن جبير بن نفير عن أبي ذر الغفاري مرفوعًا به، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " وأقره البيهقي، ووافقه الذهبي.

قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير زيد بن أرطاة وهوثقة كما في " التقريب ". ثم أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح به إلا أنه ذكر عقبة بن عامر بدل أبي ذر، ثم قال البيهقي: " ويحتمل أن يكون جبير بن نفير رواه عنهما جميعًا. ورواه غيره عن أحمد بن حنبل دون ذكر أبي ذر رضي الله عنه في إسناده ".

قلت: أخرجه كذلك مرسلاً في كتاب " الزهد " لأحمد كما في الجامع الصغير، لكن سلمة بن شبيب الذي رواه عنه موصولاً ثقة احتج به مسلم فزيادته مقبولة ويقوي الحديث أن له شاهدًا من حديث أبي أمامة مرفوعًا بسند ضعيف قد خرجته في " المشكاة " (1332)» ا. هـ.

فنقل الشيخ كلام البيهقي ولم يتعقبه، وجبير لم يذكر بمزيد حفظ ليقبل منه الرواية عن الصحابيين - رضي الله عنهما -، بل الأصوب أن ينظر الراجح عن جبير، ولا مجال هنا للتجويز والاحتمالات.

والحديث يرويه عن أحمد بن حنبل ابنه عبد الله، فلم يذكر الصحابي، وعبد الله أعلم الناس بأبيه، ولا يُقدّم غيره عليه فيه، والدليل على ذلك أن غير أحمد يرويه عن ابن مهدي بدونها، فهذا إسحاق بن منصور، وعبد الرحمن بن المبارك، وعبد الرحمن بن منصور الحارثي، كلهم يروونه عن ابن مهدي به مرسلاً.

وأما رواية عقبة بن عامر، فإنما جاء بها عبد الله بن صالح كاتب الليث، ومعلوم الاختلاف الواسع فيه، وخالفه عبد الرحمن بن مهدي إمام الحفظ وجبل الإتقان بالاتفاق، فكيف نترك روايته إلى روايته؟!

وقد خلّط فيه الليث بن أبي سليم، فرواه عن زيد بن أرطأة عن أبي أمامة مرفوعًا، فأسقط جبير بن نفير وذكر أبا أمامة، وخالفه العلاء بن الحارث؛ فرواه عن زيد عن جبير به مرسلاً، والعلاء من ثقات الشاميين، فروايته أقوى وأرجح.

فثبت أن ما حكم به البخاري - رحمه الله - هو الأصوب الأقوى، ولم ينظر - رحمه الله - في الاحتمال الذي ذكره البيهقي - رحمه الله -.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير