تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعبيد الله بن عمر ثقة حافظ مكثر من كبار الحفاظ، ولا يستغرب عنه أن يكون له إسنادان في الحديث، فلعله كان قد سمعه من سعيد على الوجهين، وكان سعيد قد أخذه بواسطة أبيه وبدون واسطته.

وقد جاء عن الأئمة ما نصُّه أو مقتضاه تصحيح الوجهين عن عبيد الله:

قال النسائي: بعد أن أخرج رواية يحيى: «خولف يحيى في هذا الحديث، فقيل: عن سعيد عن أبي هريرة، والحديث صحيح» (السنن الكبرى: 1/ 308)، وقال الدارقطني: «ويحيى حافظ، ويشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين» (التتبع، ص131)، وقال أبو نعيم الأصبهاني: «صحيح متفق عليه من حديث يحيى بن سعيد» (الحلية: 8/ 382)، وذكر العلائيُّ الحديثَ فيما يظهر بالظن القوي كونه عند الراوي بالوجهين (جامع التحصيل، ص134، 135).

وقول الدارقطني: «ويشبه أن يكون ... » يدل على أن الأمر ضيّق، وأن قوة الوجهين وقربهما من بعضهما جعلته لا يجزم ذلك الجزم، وهذا يعني أن تصحيح الوجهين يكون في أضيق الحدود - كما سبق -، ولقرائن يراها الإمام، لا دائمًا في أي اختلاف.

وهنا بعض تصحيحات أبي حاتم الرازي الوجهين عن بعض الحفاظ:

قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 19، 20): وسألتُ أبِي عَن حدِيثٍ؛ رواهُ اللّيثُ بنُ سعدٍ، عن هِشامِ بنِ سعدٍ، عن زيدِ بنِ أسلم، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عنِ ابنِ عبّاسٍ أنَّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أكل لحم شاةٍ، ثُمّ صلّى ولم يتوضّأ.

ورواهُ معنٌ، عن هِشامِ بنِ سعدٍ، عن زيدِ بنِ أسلم، عن عطاءٍ، عن أبِي رافِعٍ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

فقال أبِي: جمِيعًا صحيحان، حدّثنا إِبراهِيمُ بنُ المُنذِرِ، عن معنِ بنِ عِيسى، عن هِشامِ بنِ سعدٍ، عن زيدِ بنِ أسلم، عن عطاءٍ، عن أبِي رافِعٍ، وابن عبّاس، عن النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جمعهُما.

فصحح أبو حاتم الوجهين، للقرينة التي ذكرها، وهي أن مَعْنًا روى الوجه الذي رواه الليث، فدل أن مَعْنًا لما خالف روايةَ الليث كان على علم بها ويعرفها، وما عدوله عن الوجه الأول - مع أنه رواه - إلى وجهٍ آخر إلا لأنه حفظ أن هشامًا حفظ الوجهين عن زيد.

وهشام هنا - مع أنه قد تُكُلّم فيه - حافظ لحديث زيد، قال أبو داود: «هشام بن سعد أثبت الناس في زيد بن أسلم»، وأخرج مسلم روايته عن زيد في الشواهد، وكلام أبي حاتم هذا يدل على أنه قويٌّ في زيد.

وقال ابن أبي حاتم (1/ 165): وسألتُ أبِي عَن حدِيثٍ رواهُ مالِكٌ، وابنُ عُيينة، عنِ الزُّهرِيِّ، عن سعِيدِ بنِ المُسيِّبِ، عن أبِي هُريرة، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنّهُ سُئِل عنِ الصّلاةِ فِي الثّوبِ الواحِدِ، فقال: أوكُلُّكُم يجِدُ ثوبينِ.

ورواهُ سُليمانُ بنُ كثِيرٍ، عنِ الزُّهرِيِّ، عن أبِي سلمة، عن أبِي هُريرة، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

قال: كِلاهُما صحِيحٌ قد روى عُقيلٌ، عنِ الزُّهرِيِّ، عن سعِيدٍ، وأبِي سلمة، عن أبِي هُريرة، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جمعهُما.

فصحح أبو حاتم الوجهين وذكر القرينة، وهي ذاتها التي سبقت، ووافقه على ذلك الدارقطني - كما في علله (9/ 373) -، قال - بعد سياق الطرق -: «وكلها محفوظة عن الزهري ... ».

وقال ابن أبي حاتم (2/ 50): وسألتُ أبي عن حديث اختلف على أبي إسحاق الهمداني: رواه زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عَبد الله بن مسعود.

وروى الثوري واسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأَحوَص، عن عَبد الله أنه قال: (من قرأ القرآن فليتعلم الفرائض ... ) وذكر الحديث.

فسمِعتُ أبِي يقول: كلاهما صحيحان، كان أبو إسحاق واسع الحديث.

وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 243، 244): وَسَأَلْتُ أَبِي، وَأَبَا زُرْعَةَ، عَنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ: فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ.

وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ مُجَاهِدٍ: فَقَالَ بَشِيرُ بْنُ سَلْمَانَ: عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو.

وقال يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وقال زُبَيْدٌ: مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ.

قَالَ أَبِي: حَدِيثُ زُبَيْدٍ أَشْبَهُ، لأَنَّهُ أَحْفَظُهُمْ، وَلا أَبْعَدَ أَنْ يَكُونَ رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ كِلاهُمْ.

قَالَ أَبِي: وقد روي عَنْ عَبْد الله بْن عَمْرو من غير هَذَا الطريق.

قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْتُ أَبَا حَفْص الصيرفي يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْن سَعِيد، يَقُولُ: الصَّحِيح: حَدِيث زبيد.

وقال أَبُو زُرْعَةَ: الصَّحِيح: حَدِيث زبيد.

فالقطان وأبو زرعة رجحا حديث زبيد، ووافقهم الدارقطني - كما في علله (8/ 230، 231، 14/ 342) -، أما أبو حاتم؛ فقوى الحديث من رواية زبيد، وقال: «وَلا أُبْعِدُ أَنْ يَكُونَ رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ كِلاهُمْ»، وظاهر أنه لم يجزم بذلك كما في الأمثلة السابقة، وعدم جزمه يوحي بأنه متردد في هذه المسألة بالذات، وربما كانت القرائن التي كان يراها هنا ضعيفة؛ فلم يجزم.

وقد يُخالَفُ أبو حاتم في هذا، ولعل قول الأئمة الثلاثة أولى.

وانظر بعض أقوال الدارقطني في ذلك في علله (3/ 125، 4/ 9، 36، 37، 231، 232، 275، 360، 5/ 94، 223، 224، 251، 6/ 316، 317، 7/ 53، 292، 8/ 67، 68، 147، 9/ 189، 190، 248، 368 - 370)، وفي بعض هذه المواضع ينص الدارقطني على القرينة التي دعته إلى تصحيح الوجهين.

والحديث في هذا الموضوع طويل الذيل، وبعضُ أبعاده بعيدُ الغور؛ لا بد له من ألمعيٍّ يحرره وينقحه ويستخرجه من بطون الكتب، فيستخلص خلاصة يقعّد فيها القواعد، ويقرر الأصول من مناهج الأئمة النقاد تكون هي النبراس في هذه المسألة؛ والركنَ الأساس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير