تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

((إنَّ من الشائع المعروف بين جمهور أهل العلم وطلابه: أنَّ الحديثَ الضعيفَ يُعمل به في فضائل الأعمال، ويعتبرون ذلك قاعدة علميَّة لا جدال فيها عندهم، وهي غير مُسلَّمةٍ على إطلاقها عند المحققين من العلماء .. فأولئك إذا بلغهم حديثٌ ضعيفٌ بادروا إلى العمل به، غير منتبهين لاحتمال كونه شديد الضعف أو موضوعاً، وحينئذ لا يجوز روايته إلا ببيان حاله والتحذير منه، فضلاً عن العمل به، فيقع المحظور الأول وزيادة كما هو ظاهر، فلو أنه بَيَّنَ لهم ذلك، لم يعملوا به ـ إن شاء اللَّه تعالى)).

ثم قال: ((ثم إنَّ القاعدةَ المزعومةَ ـ ليست على إطلاقها؛ بل هي مقيَّدةٌ في موضعين منها:

أحدهما حديثي، والآخر: فقهي:

القيد الحديثي:

أما الحديثي، فهو قولهم ((الحديث الضعيف)) فإنه مقيد ـ اتفاقاً ـ بالضعيف الذي لم يشتد ضعفه .. كما بيَّنه الحافظُ ابنُ حجر العسقلانيُّ في رسالته: ((تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب)) .. ثم نقل الشيخ الألبانيُّ ـ رحمه اللَّه ـ عن السخاويِّ ـ تلميذِ الحافظِ ـ حيث أنَّ الرسالة المتقدمةَ للحافظِ لم تكن متوفِّرةً في مكتبة الشيخ آنذاك، فنقل فيها الحافظُ كلام النوويِّ ـ رحمه اللَّه ـ ثم قال: وعن ابنِ العربيِّ المالكي أنه خالف في ذلك فقال:

((إن الحديث الضعيف لا يُعمل به مطلقاً)).

ثم نقل شرائطَ العملِ بالحديثِ الضعيفِ عند الحافظِ ابنِ حجر، والمعروفة لطلابِ الحديثِ.

ثم قال الشيخ ـ رحمه اللَّه ـ:

((وليس يخفى على الفطن اللبيب أن هذه الشروط توجب على أهل العلم والمعرفةِ بصحيح الحديث وسقيمه أن يميزوا للناس شيئين هامَّين:

الأول: الأحاديث الضعيفة من الصحيحة، لكي لا يعتقد العاملون بها ثبوتها، فيقعوا في آفة الكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ..

والآخر: الشديدة الضعف من غيرها لكي لا يعملوا بها؛ فيقعوا في الآفة المذكورة.

والحقُّ ـ والحقُّ أقول ـ: إنَّ القليلَ من علماءِ الحديثِ ـ فضلاً عن غيرهم ـ مَنْ له عنايةٌ تامَّةٌ ـ بالتمييز الأول، كالحافظِ المنذريِّ ـ على تساهله .. ، والحافظِ ابن حجر العسقلاني في كتبه، وتلميذِهِ الحافظِ السخاويِّ في كتابه: ((المقاصد الحسنة في بيان كثيرٍ من الأحاديث المشتهرة على الألسنةِ))، وغيرِهِم. وفي عصرنا الشيخ أحمد شاكر ـ رحمه اللَّه ـ في تحقيقه وتعليقه على

((مسند الإمام أحمد)) وغيره، ومثلِه اليوم أقلُّ من القليل.

وأقل من هؤلاء بكثير من له عناية تامة بتمييز الأحاديث الضعيفة جدًّا من غيرها، بل إني لا أعلم من له تخصص في هذا المجال، مع كونه من الأمور الهامَّة كما بينتُه آنفاً، وهو عندي أهم من عنايتهم بتمييز الحديث الحسن من الصحيح، مع أنه ليس تحته كبير فائدة؛ لأن كلاًّ منهما يُحتجُّ به في الأحكام كما سبق، اللهم إلا عند التعارض والترجيحِ، بخلاف ما نحن فيه، فإنه يُعمل بالحديثِ الضعيفِ في الفضائلِ دون الضعيفِ جدًّا، فبيانه واجبٌ من بابٍ أولى.

فإن قيل: لِمَا هذا التفصيل والتشديد في رواية الحديث الضعيف، والمنذريُّ ـ رحمه اللَّه ـ قد ذكر في مقدمة كتابه: ((أنَّ العلماءَ أساغوا في أنواع الترغيب والترهيب، حتى إن الكثيرَ منهم ذكروا الموضوعَ، ولم يُبيِّنوا حالَه)).

وجواباً عليه أقول:

إنَّ التساهل الذي أساغوه يحتمل وجهين:

الأول: ذِكْرُ الأحاديث بأسانيدِها؛ فهذا لا بأس به، كيف لا وهو صنيع جميع المحدثين من الحفاظ السابقين الذي كان أول أعمالهم في سبيل حفظ السنة وأحاديثها .... وعلى هذا الوجه ينبغي حملُ قول المنذريِّ المذكور عن العلماء؛ إحساناً للظنِّ بهم أولاً، ولأنه هو الذي يدلُّ عليه كلامُ الحفاظِ ثانياً، بالإضافة لإلى ما ذكرناه مما جرى عليه عملهم. فهذا هو الإمام أحمد يقول:

((إذا جاء الحلال والحرام شدَّدنا في الأسانيد، وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد)).

فهذا نصٌّ فيما قلناه، ومثله قولُ ابنِ الصَّلاح في ((علوم الحديث)) (ص/113)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير