وهذا حقٌّ لأنَّ الحديثَ الضعيفَ الذي لا يوجد ما يعضده يحتمل أن يكون كذبا بل هو على الغالب كذب موضوع وقد جزم بذلك بعض العلماء فهو ممن يشمله قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((. . يرى أنه كذب))، أي: يظهر أنه كذلك
ولذلك عقبه الحافظ بقوله: ((فكيف بمن عمل به؟))، ويؤيد هذا ما سبق نقله عن ابنِ حبَّان في القاعدة الحادية عشرة.
" فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح داخل في الخبر "
فنقول كما قال الحافظ: " فكيف بمن عمل به. .؟ "
فهذا توضيح مراد الحافظ بقوله المذكور وأما حمله على أنه أراد الحديث الموضوع وأنه هو الذي لا فرق في العمل به في الأحكام أو الفضائل كما فعل بعض مشايخ حلب المعاصرين فبعيد جدا عن سياق كلام الحافظ إذ هو في الحديث الضعيف لا الموضوع كما لا يخفى ولا ينافي ما ذكرنا أن الحافظ ذكر الشروط للعمل بالضعيف كما ظن ذلك الشيخ لأننا نقول: إنما ذكرها الحافظ لأولئك الذين ذكر عنهم أنهم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل ما لم تكن موضوعة فكأنه يقول لهم: إذا رأيتم ذلك فينبغي أن تتقيدوا بهذه الشروط وهذا كما فعلته أنا في هذه القاعدة والحافظ لم يصرح بأنه معهم في الجواز بهذه الشروط ولاسيما أنه أفاد في آخر كلامه أنه على خلاف ذلك كما بينا
وخلاصةُ القولِ: أنَّ العملَ بالحديثِ الضعيفِ في فضائل الأعمال لا يجوز القول به على التفسير المرجوح؛ إذ هو خلاف الأصل ولا دليل عليه، ولا بد لمن يقول به أن يلاحظ بعين الاعتبار الشروط المذكورة وأن يلتزمها في عمله، والله الموفِّق.
ثم إن من مفاسد القول المخالف لما رجحناه أنه يجر المخالفين إلى تعدي دائرة الفضائل إلى القول به في الأحكام الشرعية بل والعقائد أيضا وعندي أمثلة كثيرة على ذلك لكني أكتفي منها بمثال واحد
فهناك حديث يأمر بأنَّ يخطَّ المصلِّي ببن يديه خطا إذا لم يجد سترة ومع أنَّ البيهقيَّ والنوويَّ هما من الذين صرحوا بضعفه فقد أجازا العمل به خلافا لإمامهما الشافعي وسيأتي مناقشة قولهما في ذلك عند الكلام على الحديث المذكور)).
وقال في تقدمته لـ ((صحيح الجامع الصغير)) (1/ 49ـ52]:
كثيرٌ من الناس يفهمون من مثل هذا الإطلاق (قال الشيخ في الحاشية: وهو قولهم: ((الضعيف يُعمل به عند المحدثين والأصوليين في فضائل الأعمال، بشروطٍ مقرَّرةٍ في محلِّها)))، أن العمل المذكور لا خلاف فيه عند العلماء، وليس كذلك، بل فيه خلافٌ معروفٌ. كما هو مبسوطٌ في مصطلح الحديث، مثل ((قواعد التحديث)) للعلاَّمة الشيخ جمال الدين القاسمي ـ رحمه اللَّه تعالى ـ فقد حكى فيه [ص/113] عن جماعةٍ من الأئمة أنهم لا يرون العملَ بالحديث الضعيف مطلقاً، كابنِ معين، والبخاري، ومسلم، وأبي بكر بن العربي الفقيه، وغيرِهم، ومنهم ابنُ حزمٍ، فقال في ((الملل والنحل)):
((ما نقل أهلُ المشرق والمغرب، أو كافَّةٌ عن كافَّةٍ، أو ثقةٌ عن ثقةٍ، حتى يبلغ النبيَّ صلى اللَّه عليه وسلم إلا أن في الطريق رجلاً مجروحاً يكذب، أو غفلةً، أو مجهولَ الحالِ، فهذا يقول به بعض المسلمين، ولا يحلُّ عندنا القولُ به، ولا تصديقَه، ولا الأخذَ بشيءٍ منه)).
وقال الحافظُ ابنُ رجب في ((شرح علل الترمذي)) [ق/112/ 2]:
((وظاهر ما ذكره مسلمٌ في مقدمة كتابه، ـ يعني: ((الصحيح)) أن الحديثَ الضعيفَ لا يُعمل به مطلقاً، لا في الفضائل والمستحبَّات، ولا في غيرهما.
ذلك لأن الحديثَ الضعيف، إنما يفيد الظنَّ المرجوحَ بلا خلافٍ أعرفه بين العلماء وإذا كان كذلك، فكيف يُقال بجواز العمل به، واللَّه ـ عزَّ وجلَّ ـ قد ذمَّه في غير ما آيةٍ، فقال تعالى: ((وإن الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً)) [النجم: 28]، وقال: ((إِن يَتَّبِعُوْنَ إلاَّ الظَّنَّ)) [الأنعام: 116، وغيرها]، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ((إيَّاكم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظنَّ أكذب الحديثِ)). أخرجه البخاريُّ ومسلم؟!.
¥