تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فَكَثَرَ الوَهَمُ في حديثِهِ؛ فرفع الموقوفَ، ووصلَ المرسلَ. وهؤلاءِ مثلُ أَبَانَ بنِ أبِي عَيَّاشٍ، ويزيدَ الرَّقَاشِيِّ، وقد كان شعبةُ يقولُ في كلِّ واحدٍ منهما: ((لأنْ أزني أحبُّ إليَّ من أنْ أُحَدِّثَ عنه!!)) ـ قالها في أَبَانَ بنِ أبي عيَّاشٍ ـ، ومثلُ جعفرِ بنِ الزُّبَيرِ، ورِشْدِين بنِ سعدٍ، وعَبَّادِ بنِ كثيرٍ، وعبدِ اللَّهِ بنِ مُحَرَّرٍ، والحسنِ بنِ أبِي جعفرٍ، وغيرِهِم. [وتأتي تتمَّةُ كلامِهِ بعد هذا التعليق الآتي]

- قلت: ثُمَّ إنَّه قد يُطلقُ الكَذِبُ على الخطإِ والمخالفةِ، فيقال في حقِّ الثقةِ ومن هو أرفعُ من الثقةِ؛ كأن يُقال في حديثٍ مداره على ابن جُريجٍ أو قتادةَ أو غيرِهما: هذا حديثٌ كذبٌ، بمعنى خطأ، أو باطلٌ لا أصل له، وفي ذلك أمثلةٌ عمليَّةٌ تجدها منثورةً في كتبِ العللِ. وقد وقع ذلك بين الصَّحابةِ ـ رضي اللَّه عنهم ـ، وهذا لا يُوصف صاحبهُ بالكذب الاصطلاحيِّ البتَّةَ، بل إنَّ الكذبَ هنا في حقِّهِم هو اللُّغويُّ، وهو مجانبةُ الصَّوابِ، والذي يُفَسَّرُ بالخطإِ؛ فإِنَّ أمثالَ هؤلاءِ ما خالطوا الكذبَ الاصطلاحيَّ؛ وهم بمنأىً عنه.

- وأمَّا الثاني: فهو الكذبُ المتعمَّدُ: وهو يعني الخطأَ المتعمَّدَ؛ وهذا هو دَيْدَنُ الكذَّابينَ؛ فهم يعلمونَ خطأََ مروياتِهِمُ، وأنها ليستْ من الصَّواب في شيءٍ، فيحدِّثونَ، وهذا تعمُّدٌ وإصرارٌ، فقبح الكذابين والوضَّاعين.

قال أبو محمَّدِ بنُ حزمٍ ـ رحمه اللَّه ـ في ((المُحَلَّى)) [8/ 591]: ((المخطىءُ المعذورُ، هو الذي لا يتعمَّدُ الخطأَ، وهو الذي يُقَدِّرُ أنَّه على حقِّ اجتهادِهِ، وأنَّ المخطىءَ وغيرَ المعذورِ، هو مَنْ تعمَّدَ بقلبهِ ما صحَّ عنده أنَّه خطأٌ، أو قطعَ بغيرِ اجتهادِهِ)). انتهى.

- قال ابنُ رجبٍ في تتمَّةِ كلامِهِ المتقدِّم في المشتغلين بالتعبُّدِ الذين يُتركُ حديثُهُم:

[2]ـ ومنهم من كان يتعمَّدُ الوضع ويتعبد بذلك:

كما ذُكِرَ عن أحمدَ بنِ محمَّدِ بنِ غالبٍ، غُلامِ خليلٍ، وعن زكريَّا بنِ يحيى الوَقَّارِ المصريِّ.

وقد ذكر الترمذيُّ من أهلِ العِبَادةِ المتروكين رجلين:

- أحدهما: أَبَانَ بنُ أبِي عَيَّاشٍ:

وذكر حكايةَ أبِي عَوَانَةَ عنه، أنَّه جمع حديثَ الحَسَنِ ثُمَّ أَتَى به إليه فقرأه كلَّه عليه، يعني: أنَّه رواه له كلَّه عن الحَسَنِ، ولم يتوقَّفْ في ذلك.

وقال أحمدُ، قال لي عَفَّانٌ: ((أوَّلُ من أَهْلَكَ أَبَانَ بنَ أبِي عَيَّاشٍ أبو عَوَانَةَ، جَمَعَ حديثَ الحسنِ عامَّتَهُ، فجاء به إلى أبانَ فقرأه عليه)) [((العللُ ومعرفةُ الرِّجالِ)) لعبد اللَّه بن الإمام أحمدَ [3544]].

وقال مسلمٌ في أوَّلِ كتابِهِ [8]: حدَّثنا الحسنُ الحُلْوَانِيُّ، سمعتُ عفَّانَ، قال: سمعتُ أبا عوانةَ يقول: ((ما بلغني عن الحسنِ إلاَّ أتيتُ به أبانَ بنَ أبِي عيَّاشٍ فقرأه عليَّ)) ... إلى آخرِ كلامِه.

- قلتُ: هكذا قد أدرج ابنُ رجبٍ ـ رحمه اللَّه ـ أَبَانَ بنَ أبِي عَيَّاشٍ كما ترى ـ يرحمك اللَّه ـ في قسمِ من يتعمَّدون الكَذِبَ، وإنَّما هو مع أصحابِ القسمِِ الأوَّل، أعني من لا يتعمَّدونَ الكذبَ كما قدمناه، وإليك الأدلَّةُ:

قال أبو محمَّدٍ عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي حاتِمٍ الرَّازيُّ ـ رحمه اللَّهُ وأباه ـ في ترجمةِ أبانَ من ((الجرحِ والتعديلِ)) [2/ 295]:

سُئِلَ أبو زُرْعَةَ عن أبانَ بنِ أبي عيَّاشٍ؛ فقال: بصريٌّ، متروكٌ حديثُهُ، ولم يقرأْ علينا حديثَهُ.

فقيل له: كان يتعمَّدُ الكذبِ؟

قال: لا، كان يسمعُ الحديثَ من أنسٍ، وشَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، ومن الحَسَنِ؛ فلا يُمَيِّزُ.

وقال أبو أحمدَ بنُ عديٍّ في آخر ترجمتِهِ من ((الكاملِ)) [1/ 386]:

وأرجو أنَّه مِمَّن لا يتعمَّدُ الكذبَ.

وقال أبو حاتِمِ بنُ حِبَّانَ في ((المجروحينَ)) [1/ 96]: سَمِعَ عن أنسِ بنِ مالكٍ، وجالسَ الحَسَنَ؛ فكان يسمعُ كلامَهُ؛ ويحفظُهُ؛ فإذا حَدَّثَ رُبَّما جعل كلامَ الحسنِ الَّذي سمعه من قولِهِ عن أنس عنِ النَّبِّيِّ r ، وهو لا يعلمُ.قلت: قولُهُ ((وهو لا يعلمُ))، يُبينُ أنَّه كان مِمَّن لا يتعمَّدُ الكذبَ.

- ومن هذا الأقوالِ، نخلصُ بتوجيهٍ لوصفِ شعبةََ ـ رحمه اللَّهُ ـ له بالكذبِ، وإفحاشِهِ القولَ فيه إلى أنَّ هذا من قبيلِ خطإِ العُبَّادِ والصَّالحينَ.

- وأمَّا إيرادُ يعقوبَ بنِ سفيانَ الفَسَوِيِّ له في ((المعرفةِ)) في: ((بابِ من يرغب عن الرِّوايةِ عنهم))؛ فهذا لكَثرةِ ما وقع منه من أخطاءٍ، وأغاليطَ، وأوهامٍ، استحق التَّرْكَ بسبَبِها. والسببُ الأصليُ في ذلك غفلةُ الصَّالحينَ، واللَّه المُعين.

هذا، وما كان فيه من توفيقٍ فمن اللَّه وحده، وما كان فيه من خطإٍ، أو وَهَمٍ، أو تقصيرٍ، فمن نفسي ومن الشَّيطانِ، واللَّهُ ورسولُهُ منه براءٌ.

والحمدُ للَّهِ ربِّ العالمين،،،

كتبه

أشرف بنُ صالِحٍ العشريُّ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير