جميع أقطار الأرض شرقا وغربا وشمالا ويمينا مما غلب عليه المسلمون , ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلا بأمر الخليفة , ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك فعلى هذا يكون المراد بقوله " ثم يكون الهرج " يعني القتل الناشئ عن الفتن وقوعا فاشيا يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام , وكذا كان والله المستعان. والوجه الذي ذكره ابن المنادي ليس بواضح , ويعكر عليه ما أخرجه الطبراني من طريق قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده رفعه " سيكون من بعدي خلفاء , ثم من بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك , ومن بعد الملوك جبابرة , ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ثم يؤمر القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه " فهذا يرد على ما نقله ابن المنادي من " كتاب دانيال " وأما ما ذكره عن أبي صالح فواه جدا , وكذا عن كعب وأما محاولة ابن الجوزي الجمع بين حديث " تدور رحى الإسلام " وحديث الباب ظاهر التكلف , والتفسير الذي فسره به الخطابي , ثم الخطيب بعيد , والذي يظهر أن المراد بقوله " تدور رحى الإسلام " أن تدوم على الاستقامة , وأن ابتداء ذلك من أول البعثة النبوية فيكون انتهاء المدة بقتل عمر في ذي الحجة سنة أربع وعشرين من الهجرة , فإذا انضم إلى ذلك اثنتا عشرة سنة وستة أشهر من المبعث في رمضان كانت المدة خمسا وثلاثين سنة وستة أشهر , فيكون ذلك جميع المدة النبوية ومدة الخليفتين بعده خاصة , ويؤيد حديث حذيفة الماضي قريبا الذي يشير إلى أن باب الأمن من الفتنة يكسر بقتل عمر , فيفتح باب الفتن وكان الأمر على ما ذكر , وأما قوله في بقية الحديث " فإن يهلكوا فسبيل من هلك , وإن لم يقم لهم دينهم يقم سبعين سنة " فيكون المراد بذلك انقضاء أعمارهم , وتكون المدة سبعين سنة إذا حصل ابتداؤها من أول سنة ثلاثين عند انقضاء ست سنين من خلافة عثمان , فإن ابتداء الطعن فيه إلى أن آل الأمر إلى قتله كان بعد ست سنين مضت من خلافته , وعند انقضاء السبعين لم يبق من الصحابة أحد , فهذا الذي يظهر لي في معنى هذا الحديث , ولا تعرض فيه لما يتعلق باثني عشر خليفة , وعلى تقدير ذلك فالأولى أن يحمل قوله " يكون بعدي اثنا عشر خليفة " على حقيقة البعدية , فإن جميع من ولي الخلافة من الصديق إلى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفسا , منهم اثنان لم تصح ولايتهما ولم تطل مدتهما وهما: معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم , والباقون اثنا عشر نفسا على الولاء كما أخبر صلى الله عليه وسلم , وكانت وفاة عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة , وتغيرت الأحوال بعده , وانقضى القرن الأول الذي هو خير القرون , ولا يقدح في ذلك قوله " يجتمع عليهم الناس " لأنه يحمل على الأكثر الأغلب , لأن هذه الصفة لم تفقد منهم إلا في الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير مع صحة ولايتهما , والحكم بأن من خالفهما لم يثبت استحقاقه إلا بعد تسليم الحسن وبعد قتل ابن الزبير والله أعلم. وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الاثني عشر منتظمة وإن وجد في بعض مدتهم خلاف ذلك , فهو بالنسبة إلى الاستقامة نادر والله أعلم , وقد تكلم ابن حبان على معنى حديث " تدور رحى الإسلام " فقال: المراد بقوله تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين.
انتقال أمر الخلافة إلى بني أمية , وذلك أن قيام معاوية عن علي بصفين حتى وقع التحكيم هو مبدأ مشاركة بني أمية ; ثم استمر الأمر في بني أمية من يومئذ سبعين سنة , فكان أول ما ظهرت دعاة بني العباس بخراسان سنة ست ومائة وساق ذلك بعبارة طويلة عليه فيها مؤاخذات كثيرة أولها: دعواه أن قصة الحكمين كانت في أواخر سنة ست وثلاثين وهو خلاف ما اتفق عليه أصحاب الأخبار , فإنها كانت بعد وقعة صفين بعدة أشهر وكانت سنة سبع وثلاثين والذي قدمته أولى بأن يحمل الحديث عليه , والله أعلم
ـ[حفيد وسام]ــــــــ[23 - 07 - 07, 07:02 م]ـ
جزاك الله خير يابو مسهر