لها، ونحرم ما حرمت، ونحلل ما حللت، وهي من لدن حكيم خبير!
أما ما أهل به لغير الله. أي ما توجه به صاحبه لغير الله. فهو محرم، لا لعلة فيه، ولكن للتوجه به لغير الله. محرم لعلة روحية تنافي صحة التصور، وسلامة القلب، وطهارة الروح، وخلوص الضمير، ووحدة المتجه. . فهو ملحق بالنجاسة المادية والقذارة الحقيقية على هذا المعنى المشترك للنجاسة. وهو ألصق بالعقيدة من سائر المحرمات قبله. وقد حرص الإسلام على أن يكون التوجه لله وحده بلا شريك. ومن هنا تتجلى علاقة التحليل والتحريم في هذه الآيات، بالحديث عن وحدانية الله ورحمته كذلك في الآيات السابقة. فالصلة قوية ومباشرة بين الاعتقاد في إله واحد، وبين التلقي عن أمر الله في التحليل والتحريم. . وفي سائر أمور التشريع. .
ومع هذا فالإسلام يحسب حساب الضرورات، فيبيح فيها المحظورات، ويحل فيها المحرمات بقدر ما تنتفي هذه الضرورات، بغير تجاوز لها ولا تعد لحدودها:
{فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه. إن الله غفور رحيم}. .
وهو مبدأ عام ينصب هنا على هذه المحرمات. ولكنه بإطلاقه يصح أن يتناول سواها في سائر المقامات. فأيما ضرورة ملجئة يخشى منها على الحياة، فلصاحبها أن يتفادى هذا الحرج بتناول المحظور في الحدود التي تدفع هذه الضرورة ولا زيادة. على أن هناك خلافاً فقهياً حول مواضع الضرورة. . هل فيها قياس؟ أم هي الضرورات التي نص عليها الله بأعيانها.
وحول مقدار ما تدفع به الضرورة؟ هل هو أقل قدر من المحظور أم أكلة أو شربة كاملة. . ولا ندخل نحن في هذا الخلاف الفقهي. وحسبنا هذا البيان في ظلال القرآن.
مناسبة الآية لما قبلها:
أيسر التفاسير:
بينت الآية السابقة (172) حال الكفرة المقلدة لآبائهم في الشرك وتحريم ما أحل الله من الأنعام .... نادى الجبار تبارك وتعالى عباده المؤمنين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} بالله رباً وإلها، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} ربكم بما أنعم به عليكم من حلالات اللحوم ولا تحرموها كما حرمها مقلدة المشركين، فإنه تعالى لم يحرم عليكم إلا أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله، ومع هذا من ألجأته الضرورة فخاف على نفسه الهلاك فأكل فلا إثم عليه.
قلت: بقدر ما يحصل له الفكاك من الهلاك.
نادى الله سبحانه عباده المؤمنين ليأمرهم بالأكل من الطيبات مما رزقهم الله من أنواع المطاعم والمشارب للحفاظ على حياتهم، إذ البنية البشرية استمرار حياتها وصلاحيتها متوقف على الغذاء والماء والهواء، ليقوموا بأداء ما خلقوا له {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فالأمر هنا دال على الوجوب، إلا أن قوله
{مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} يشير إلى أنه لما حرم المشركون على أنفسهم أنواعاً من اللحوم كلحم السائبة والوصيلة والحام والبحيرة، وأنكر الله تعالى ذلك عليهم أمر المؤمنين بالأكل من الطيبات، وهي كل ما أحله الله تعالى من اللحوم وغيرها، وأمرهم عز وجل بشكره على نعمه التي أنعم بها عليهم من أنواع الطيبات من الرزق الحلال.
الشكر:
تعريف الشكر، قال الجوهري في تهذيب اللغة: عن الليث: إن الشكر هو عرفان الإحسان وحمده موليه. والشكور من عباد الله هو الذي يجتهد في شكر ربه بطاعته، وأداء ما وجب عليه من عبادته. والشكر ثلاثة أنواع: شكر القلب واللسان والجوارح، ويعبر ابن القيم عن حقيقة الشكر بأنه: ظهور أثر نعمة الله تعالى على لسان عبده ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه انقياداً وطاعة.
أركان الشكر وتطبيقها على الواقع:
1 – الإقرار بالنعم.
2 – نسبتها إلى المنعم وهو الله.
3 – صرفها فيما يحب.
والشكر يكون باللسان، والقلب، والجوارح، في المال والبدن.
تطبيقها على الواقع: وذلك كنعمة العلم والمال والبدن، فشكر نعمة العلم العمل به وتعليمه للناس، وشكر نعمة المال أن يصرف في طاعة الله لا في معصيته. وشكر نعمة البدن أن يسخره في عبادة الله وفعل الصالحات والمسابقة في الخيرات.
أكل الطيب الحلال سبب لإجابة الدعوة، وأكل الحرام سبب لعدم إجابة الدعوة:
¥