القسم الثاني:
الآيات الأرضية التي رآها عندما أسري به إلى بيت المقدس ماذا رأى من آيات؟
وقد رأى آيات كثيرة، سنتكلم على خمسة منها فقط، على طريق الإيجاز – وإن شاء الله تعالى، دون تفصيل في غيرها:
الآية الأولي: ركوب البراق:
ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ?أتيت بالبراق مسرجاً ملجماً – وهو دابة دون البغل وفوق الحمار وهو دابة أبيض، يضع خطوه عند منتهى طرفه]
وتقدم معنا في سنن الترمذي وصحيح ابن حبان – عندما قدم البراق لنبينا عليه الصلاة والسلام ? استصعب عليه ?، وفي رواية ابن عباس في المغازي: ? قدم البراق لنبينا عليه الصلاة والسلام وعدم انقياد وعدم ذلة وفي خلقه صعوبة وشراسة – فقال له جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مالك فما ركبك أكرم على الله منه.?
وفي رواية ابن إسحاق قال له جبريل:? أما تستحي، فارْفَضَّ عرقاً?وتقدم معنا أي تصبب عرقاً. وتقدم معنا إخوتي الكرام أن سبب شراسته ونفوره أمران ذكرناهما هناك0
إذن هذا البراق وهو آية حصلت لنبينا عليه الصلاة والسلام في إسرائه، أما عندما عرج به وهو في المعراج سنتكلم على هذا في الآيات التي رآها في السموات إن شاء الله تعالى.
وهذه الآية العظيمة التي حصلت لنبينا عليه الصلاة والسلام – من باب خرق العادات – وكما تقدم معنا أن كل ما ورد به السمع يجب الإيمان به، ووجود دابة اسمها البراق ممكن وليس مستحيلاً، والإسراء بنبينا عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس ممكن وليس مستحيلاً، وورد السمع بكليهما، بالبراق الحديث السابق و (سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)، وبما أن الأمرين كليهما ممكن وورد السمع به فيجب الإيمان به، لأن القسمة العقلية في الأشياء الموجودة بأسرها تنحصر في ثلاثة لا رابع لها:
1 - وجود واجب.
2 - وجود مستحيل ممتنع.
3 - وجود ممكن جائز.
أما الواجب فلا يتصور في العقل هدمه، كوجود ربنا سبحانه وتعالى وحياته، وهذا ما يسمى بواجب الوجود فلا يتصور زوال الحياة أو الفناء على رب الأرض والسماء، فهذا واجب الوجود، وهو أول بلا بداية، وآخر بلا نهاية ? اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء?
أما المستحيل الممتنع فهو – كما ذكرنا سابقاً – الجمع بين النقيضين أو نفي النقيضين.
أما الجائز الممكن فهو يتصور وجوده ويتصور عدمه ليس وجوده في الحياة فقط بل في جميع الاعتبارات غنىً وفقر، ذكورته وأنوثته وجماله، ودمامته، وطوله وقصره، وكونه إنساناً أو جماداً فهذا كله ممكن يقدره الله أن يقلب الجماد إلى إنسان كقوله تعالى (إذ انبعث أشقاها) الآيات.
وذلك أن قوم ثمود قالوا لنبيهم صالح عليه الصلاة والسلام: لن نؤمن لك إلا أن تخرج لنا ناقة عشراء (أي حامل ملقحة) من صخرة؟ فقال لهم: إن أخرجتها تؤمنون؟ فقالوا نؤمن، فدعا ربه فأخرج لهم ناقة عشراء من صخرة صماء، ثم لما خرجت ولدت وليداً ورأوها ورأوا ودلها وسمعوا صوته ثم بعد ذلك قال لهم: إن كان الأمر كذلك فهذه الناقة لها حق عليكم فهذا الماء الذي تردونه يوم لكم ويوم لها، فأما اليوم الذي لكم فتزودوا ما شئتم،وأما اليوم الذي لها فاحلبوا منها ما شئتم، أي بدل الماء لكم لبن، لكن لا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم.
ثم بعد ذلك عقروها فعاقبهم الله ودمر عليكم، فهذا ممكن ورد السمع به فيجب الإيمان به.
فلابد من أن يحترم الإنسان عقله ويقف عند حده ولا يهوس ولا يوسوس ولا يرتاب ولا يشك فهذه هي قدرة الله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.
والآن في عصرنا توجد مدرسة تسمى المدرسة العقلية، وهي حقيقة مدرسة رديَّة وليست بمدرسة للعقل بل مدرسة زوال العقل، ومدرسة خبل لا مدرسة عقل، ولا عقلاء تقول هذه المدرسة:
(كل خارق للعادة ننفيه أو نؤوله بما يتمشي مع العقل)، هكذا تقول مع أنه قد علمنا أن الخارق للعادة هو في الأصل ليس خارقاً للعقل وليس بمستحيل ولا يوجد بين خارق العادة والعقل معارضة ولا تضارب حتى نجمع بينهما بل نقول العقل يسلم والله على كل شيء قدير.
وقالوا: لابد من جعل الإسلام بصورة تقبلها الأذهان في هذه الأيام.
¥