فقد رأى آيات عظيمة وهي كثيرة كثيرة كثيرة ولا أريد التوسع فيها، لكن ارجعوا إلى مجمع الزوائد (1/ 65) فما بعدها وانقلوا هذه الآيات واكتبوها مع هذا المبحث وانظروا في فتح الباري (7/ 199) فما بعدها وانظروا في جامع الأصول (11/ 310).
وسأقتصر هنا في شرحي على آيتين والباقي تأخذونه من هذه الكتب فإنه كثير كثير:
1 - الآية الأولى: ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مررت ليلة أسري بي على موسى في قبره عند الكثيب الأحمر- وهو التلة من الرمل – وهو قائم يصلي].
وقد كنت أشرت سابقاً إلى أن أجساد الأنبياء في قبورهم لا تتغير، وهم أحياء فيها حياة يعلمها الله، ولا نعلم كيفيتها، ويكرمهم الله بكرامات عظيمة كما كان يكرمهم في حياتهم، من هذه الكرامات أن نبي الله موسى كان يصلي في قبره، ورآه نبينا عليه الصلاة والسلام يصلي في قبره، فإن قيل: كيف هذا؟ نقول: قلنا إن حادثة الإسراء والمعراج معجزة ونبي الله موسى في عالم البرزخ، فالاطلاع عليه هذا من باب خرق العادات والممكنات التي أكرم الله بها خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلام لأصحابه لما ذكر لهم ذلك [لو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره]، أي لو كنت أنا وأنتم في ذلك المكان لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر عند البلاد المباركة.
فهذه آية نؤمن بها وهي من الإيمان بالغيب الذي نؤمن به ونكل علم معرفته إلى خالقه.
2 - الآية الثانية: وإنما اخترتها وأردت ذكرها لما فيها من غبرة وعظة، وهي إذا كانت المرأة تصل عزيمتها إلى هذا الحد، فالرجل ينبغي أن يستحي من الله وأن تكون عزيمته – على الأقل كعزيمتها – لا أقل منها.
فهذه الكرامة التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام لامرأة صالحة ضعيفة مستضعفة وهذا كله من باب الاطلاع على ما في عالم البرزخ من عذاب أو نعيم، وعالم البرزخ لا يمكن أن نعلمه إلا عن طريق وحي صادق، فإذا نطق من لا ينطق عن الهوى آمنا به وصدقناه.
ثبت في مسند الإمام أحمد والبزار والمعجم الكبير للطبراني والمعجم الأوسط له أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [مررت ليلة أسري بي بوادٍ فإذا فيه ريح طيبة، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها].
س: ما السبب في حصول هذه الكرامة لها؟
جـ: [كانت تسرح شعر ابنة فرعون وتمشطه فسقط المشط من يدها، فقالت باسم الله، فقالت هذه العاتية ابنة فرعون: أبي] أي باسم أبي الذي هو إله فالله يعني أبي، لأنه قال: أنا ربكم الأعلى، وكان رباً – كما يدعي – لأن الأنهار تجري من تحته، فتقول له يا منحوس، من الذي أجرى الأنهار من تحتك؟ فإنك تفتخر بملك غيرك، وتفتخر بنهر أجراه غيرك هل أنت الذي أجريتها وهل أنت الذي شققتها؟ إن هذه الأنهار التي تجري من تحتك عما قريب ستجري من فوقك وكل من ادعى دعوى قتله الله بدعواه.
يقول أئمتنا احذروا الدعوى، هي بلوى وإن صحت، فلا تقل أنا أحفظ وأنا أعلم كذا، فإنك حتى ما قلت (أنا) استوجبت الخزي بل الواجب أن تقول هذا بفضل الله وبرحمته ولذلك قال الله في الحديث القدسي: [فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه]، (وما بكم من نعمة فمن الله) فهو الذي وفق.
ولذلك العاتي النمروذ عندما تكبر وتجبر وقال أنا أحيي وأميت، أماته الله بأضعف جنده ببعوضة فقط، فدخلت إلى دماغه من أنفه، وبدأت تدور في رأسه فكان يجمع حاشيته وأصحابه ويعطيهم الأحذية الكبيرة الثقيلة ويقول لهم أخفقوني على رأسي لأجل أن تموت هذه البعوضة، فكان وزراؤه يضربونه – وقد كانت البعوضة تخمد عندما يأتيها الضرب فتقف ولا تتحرك، فإذا توقفوا عن الضرب بدأت بالحركة والطيران داخل دماغه حتى قتل ضرباً بالأحذية، فأنت يا من تقول بأنك تحيي وتميت لم تستطع أن تميت بعوضة، فإذن كل من ادعى بدعوى قتله الله بدعواه.
قال هارون الرشيد لمحمد بن السماك – وكان من العلماء الواعظين الصالحين – إذا كان الله حكيماً وخلق كل شيء لحكمة فعلام خلق الذباب؟ فقال: ليذل به الملوك يا أمير المؤمنين، أي أنت يا أمير المؤمنين لا يدخل عليك أحد إلا باستئذان إلا الذباب فإنما يدخل من غير استئذان.
¥