إخوتي الكرام ... هذا حال الحق عندما يدخل القلوب سواء كانت عند ذكور أو عند إناث، فانظروا إلى ثبات هذه المرأة على الحق وعدم مبالاتها بأطغى أهل الأرض في ذلك الوقت هو فرعون وماذا يملك فرعون وغيره من الجبابرة؟ هل يملك أكثر من قطع الرقبة؟ لا، ولكن الحال كما قال السحرة لفرعون (فاقض ما أنت قاض ٍ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا). أما غير هذا فليس في وسع أحد أن يفعله.
ثم إن الموت سيصير إليه القاتل والمقتول، فهل سلم فرعون من الموت، وهل الأنبياء سلموا من الموت؟ لا، فهل في موتي منقصة لي؟ وليس القوي الذي يخاف من موت بدنه، إنما القوي الذي يخاف من موت القلب، فالقلب إذا مات هنا الطامة، وهذا الذي يوجب غضب الله والخسران للأبد أما موت البدن فما الذي يُخوِّف منه؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [تحفة المؤمن الموت]، فالمسلم إذا مات انتقل من عناء إلى لقاء رب الأرض والسماء، انتقلت من شدة وبلاء إلى نعيم ورخاء. فإذا مت فماذا في هذا؟!! ووالله إن نعمة الله علينا بالموت أعظم من نعمته علينا بالحياة، فإذا مت انتقلت من دار إلى دار، ولذلك للإنسان ثلاث دور: الدار الأولى: الدنيا وفي الدنيا دور متعددة أولها بطن الأم فهذا وإن سكنته وخرجت منه، ثم هذه المساكن التي تسكنها الله أعلم بعددها تسكن في الشام في مصر في لبنان في مصر في استراليا العلم عند الله.
الدار الثانية دار البرزخ، وهي أوسع من دار الدنيا وأحسن منها بكثير ثم أكمل الدور وأتمها وهي الدار الثالثة دار الآخرة.
فإذن الانتقال إلى البرزخ بالموت كالانتقال من رأس الخيمة إلى مصر ولا فرق هنا عباد وهناك عباد قال تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) فهل يشترط أن نقيم في رأس الخيمة؟ كلا، إذن فكذلك لا يشترط أن نقيم في الحياة فأنت في كنف الله ورعايته إن كان في الدنيا تقوم بالواجب عليك، وإن كان في البرزخ فلا واجب عليك بل يكرمك الله جل وعلا بكرامات لا تخطر على بال وإن كان في الآخرة فرحمتُهُ أوسع وأوسع.
فالمؤمن إذن لا يخاف الموت بل إنه يفرح بالموت وكان عدد من الصالحين إذا جاءهم الموت يقولون: حبيب، جاء على فاقة، لأننا في الدنيا نتألم كما يتألم الكفار لكن في النتيجة نختلف، فنحن يأتينا الموت راحة وهم ينتقلون من عذاب إلى عذاب أشد (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون) وهذه الآية في المعارك فنحن نرجو الشهادة وهم يرجون عرضاً من الدنيا ولو لم يكن في الدنيا تعب إلا إدخال الطعام وإخراجه لكفى، فعندما يمضغ ويأكل في اليوم مرتين أو ثلاثاً، ثم يجلس في الخلاء في صورة يستحي منها أفليس في هذا تعب؟ وهذا غير ما يحصل لك من نكد أو تعب أو إيذاء في هذه الدنيا، وكذلك فأنت تملأ وتفرغ وتملأ وتفرغ وهكذا ولذلك كان بعض الصالحين يقول: أشتهي أن يجعل الله رزقي في حصاة أمصها والله استحيت من ربي من كثرة دخولي الخلاء.
وهذا الطعام الذي يدخل إلى جوفك لو كشف للناس عنه لهربوا من نتن ريحه ولذلك أنت أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وفيما بينهما تحمل العذرة
فهذا تعب ما بعده تعب فإذا من الله عليك بدار البرزخ ثم بالجنة، ليس هناك عناء ولا بلاء ولا حدث ولا مخاط ولا بصاق،والطعام والشراب يخرج منك على هيئة رشح من جبينك أطيب من المسك ولذلك كل الطعام هناك ليس من باب حفظ البدن من تلف أو لحاجته لطعام، إنما من باب التلذذ والتفكه كما قال تعالى: (وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون) وقال: (وأمددناهم بفاكهة) فسماها فاكهة.
فإذن ماتت ماشطة ابنة فرعون وعذبت فماذا جرى لها؟ ثم انظر لهذه الكرامة بتعجب نبينا عليه الصلاة والسلام لطيب رائحتها.
لذلك هذا المسلك الذي سلكته هذه المرأة الصالحة يجب أن يسلكه الذكور والإناث بلا استثناء.
ولله الحمد توجد من هذه النماذج في عصرنا (قصة الطالبة الصالحة في أبهى التي كانت تشترط على من يتقدم لخطبتها ألا يدخل تليفزيوناً أو منكراً للبيت: إلخ القصة).
وهذا ما رآه نبينا عليه الصلاة والسلام في رحلته المباركة مما كشف الله له أطلعه عليه مما يكون في عالم البرزخ مما كان قد حصل – من الذنوب – والذنوب التي ستحصل وأطلعه عليها قبل وقوعها.
¥