تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"وقد اشتد سرور شيخنا الملا إبراهيم () بالإطلاع على ذلك، لكونه-رضي الله عنه- غلبت العجمة على لسانه، فيعسر عليه النطق بالهمزة المسهلة، بل كان لا يطيقه، فقال:

"الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، ولم يكلفنا فوق طاقتنا، فنحن نقتنع بموافقة إمام من الأئمة، خصوصا الإمام المتفق على جلالته أبا عمرو الداني رضي الله عنه قال أبو سالم:

"ونص ما ذكره شيخنا ابن القاضي في "مفرداته المكية" ():

"جرى الأخذ عندنا بفاس والمغرب في المسهل بهاء خالصة مطلقا، وبه قال الداني، ومنعه أبو شامة والجعبري وفصل ابن حدادة بجوازه في المفتوحة دون المضمومة والمكسورة" ().

وانظر كيف أمسى هذا المذهب الذي لا سند له من رواية ولا أداء مأخوذا به آخر الأمر مشهودا له مزكى بما "جرى عليه العمل"، مدعوما بنقل الأئمة المشهورين عمن ثبتت جلالته، وهو في الوقت ذاته قد ملأ كتبه بما يناقضه ويدفعه، وسائر من نقلوا كتبه أو استفادوا منها أو نظموها أو شرحوها كابن الباذش في "الإقناع" وأبي القاسم الشاطبي في "الحرز" وابن أبي السداد المالقي في "الدر النثير" والمنتوري في شرح الدرر اللوامع" لم ينقلوا عنه حرفا واحدا في التسهيل إلا مصرحا فيه أو مرادا به أنه "بين بين"أي بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها كما تقدم.

ومع هذا فقد جرى العمل "عندنا بفاس والمغرب في المسهل بهاء خالصة"، وهاهو أبو العباس الأوعيشي يقول في "الاحمرار"على ابن بري:

"وما به العمل ذا المسهل يقرأ هاء خالصا ويقبل

ولا أدري عمل من هذا الذي جرى به، مع أن علماء القراءة شرقا وغربا على إنكاره وأطبق المعتمدون منهم على شجبه والتحذير منه قديما وحديثا.؟

ولنبدأ عرض صور من ذلك من قريب من زمن ابن القاضي بذكر ما يلي:

1 - اعتراض الشيخ أبي الحسن علي النوري الصفاقسي (1053 - 1118) وهو من تلاميذ بعض أصحاب ابن القاضي كما تقدم ().

قال في كتابه "تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين عما يقع لهم من الخطأ حال تلاوتهم لكتاب الله المبين"، وإذا سهلت المفتوحة في نحو "ءأنذرتهم" وجاء أحدكم" و"السفهاء أموالكم" فالتسهيل حرف بين الهمزة المحققة وحرف المد الذي يجانس حركتها وهو الألف…ثم ذكر تسهيل المكسورة والمضمومة بنحو ما تقدم وقال:

و"بعض القاصرين يجعل التسهيل هاء محضة وهو لحن لا تحل القراءة به.

واستدل له بعض الأخذين به بأنه يجوز في كلام العرب إبدال الهمزة هاء، وهو باطل بديهي البطلان، إذ لا يلزم من جواز الشيء في العربية جواز القراءة به، وأيضا فإن إبدال الهاء من غير التاء مقصور في العربية على السماع من العرب، كقولهم "هياك" في إياك، ولا يجوز القياس عليه، وهو في الكتب المتداولة: "التوضيح" () وغيره ومسألتنا لم يسمع فيها. ثم قال:

"ولنا أدلة كثيرة في الرد على زاعم هذا بيناها في تأليف لنا مستقل في هذه المسألة بسبب سؤال ورد علينا فيها" ().

-2اعتراض الشيخ المقرئ أبي العلاء ادريس بن عبد الله الودغيري البدراوي (ت 1257).

قال في كتاب "التوضيح والبيان"، "فيجب على القارئ أن يفرق في تلفظه بين البدل وبين التسهيل بين بين، لأن جل الناس إذا تلفظ بالتسهيل بين بين جعله هاء خالصة، وذلك عين البدل لا عين التسهيل بين بين، لأن حقيقة البينية هي أن يؤتى بالحرف بين مخرجين كما وصفت، فالهاء محضة لمخرج واحد، فليست بين مخرجين.

وأجاز بعضهم صوت الهاء في التسهيل بين بين، وبعضهم خصه بالمفتوحة منه فقط لشدة خفتها.

والمعتمد أنه لا يجوز منه شيء من ذلك، إذ ربما يظهر من مذهب المجيز لذلك الترخيص لعاجز عن التلفظ به على حقيقته، وإذا ما تأملت ألفاظ جميع الناس لا تجدهم يحسنون غير التلفظ بالتسهيل بين بين، فضلا عن أن يعجزوا عنه.

وبيان ذلك هو أن الهمز المحقق لما كان صعبا جدا عند التلفظ به افتقر إلى زيادة عمل واعتناء به عند النطق به، فمهما فرط الإنسان في شيء من حقه إلا وضعف الصوت به ومال اللفظ به إلى جهة مخرج الحرف الذي يناسب حركته، فإن كان مفتوحا مال اللفظ به إلى الألف، وإذا كان مضموما مال اللفظ به إلى الواو، وإذا كان مكسورا مال اللفظ به إلى الياء، وهذا القدر هو الموجود في طبع الناس كافة عند إرادتهم النطق بالهمز المحقق، ويدرك ذلك منهم عند سماعه للفظهم بالهمز من له أدنى تمييز.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير