"ثم إنهم إذا أرادوا أن ينطقوا بين بين في إعتقادهم ارتكبوا البدل المحض، فيأتون بالهاء الخالصة، فالجواب عن ذلك: لا حول ولا قوة إلا بالله، قال:
وقد جمعت هذه الأحكام التي ذكرت ههنا في عشرة أبيات أحببت ذكرها ههنا لأن ما ذكر كله كالشرح لها وهي هذه:
والنطق بالتسهيل في الأداء
ومن يقل بصوتها في الفتح
والعجز لا يثبت في الرواية
ومن يخلص هاء ها في الكل
إذ هي محض بدل بالهاء
يكون بين همزة والشكل
وصفة النطق بذا الطريق
يلزمه التهوين والتقليل
في الكسر والضم وفتح قد ألف
وذاك عين بين بين في الأدا
في مذهب الحذاق دون هاء
رخص للعاجز لذ بالشرح
في مثل هذا عن ذوي الدراية
يكن مخالفا لما في النقل
وبين بين صح في الأداء
لأنه ممحض في القول
عدم الإعتناء بالتحقيق
لصولة الهمزة لا التبديل
كاليا وكالواو يرى وكالألف
إذ محض حرف في الجميع فقدا ().
فهذا شيخ الجماعة بفاس في زمنه وقاضي الجماعة بها في عهد المولى سليمان العلوي الشيخ إدريس البدراوي كما رأينا، والشيخ أبو الحسن النوري الصفاقسي التونسي قبله ينقضان كل ما تدرع به أصحاب مذهب الهاء ولا يلتفتان إلى ما نظره به الذين قاسوه على "هرقت" و"هياك"، ولا إلى قول من قال "نقتنع بموافقة إمام من الأئمة" لأنهما لا يثبتان هذا في رواية ولا دراية، كما رأينا أن العجز الذي تترس خلفه أبو زيد بن القاضي حين إدعى عدم القدرة على الإتيان به لعدم المشافهة "وقد عدمت فانعدم" جاء البدراوي فنقضه بأمر محسوس حين بين أن ترك الاعتناء بتحقيق الهمزة يجعلها تلقائيا مسهلة بينها وبين حرف المد واللين الذي منه حركتها كما تقدم.
-3موقف التونسيين بشكل عام:
تعرض الشيخ إبراهيم المارغني شيخ القراء بالزيتونة بتونس (ت 1349هـ) لهذه القضية في "النجوم الطوالع" فاستعرض الأحكام المتعلقة بالتسهيل بين بين ووصف كيفيته ثم قال:
"هذا هو المأخوذ به عندنا في كيفية التسهيل بين بين…ثم ساق قول أبي شامة السابق في إبراز المعاني القائل بالمنع، وأنه سمع بعض أهل الأداء ينطق بذلك هاء وليس بشيء" ثم قال المارغني مقلدا لابن القاضي:
"لكن جوز الداني وجماعة إبدالها هاء خالصة في الأنواع الثلاثة- قال: قال العلامة سيدي عبد الرحمن بن القاضي في بعض تآليفه: "جرى الأخذ عندنا بفاس والمغرب في المسهل بالهاء خالصة مطلقا وبه قال الداني"، ثم ذكر مذهب المجوزين في المفتوحة فقط وقال:
"والأكثرون على المنع مطلقا، وعليه جرى عملنا بتونس" ().
ويظهر أن أصداء المعركة التي قامت حول هذه القضية قد بلغت إليهم فكان للشيخ المجود شيخ القراء في زمنه وزعيم "المدرسة اللمطية" في التجويد موقف صارم فيها ينسجم مع ما عرف له من مواقف أخرى مشابهة حكى عن بعضها صاحبه أبو العباس بن الرشيد السجلماسي في "عرف الند" ().
إلا أن ما وصل إلينا من ذلك إنما هو بعض الإشارات لكنها وافية بالمراد بوجه عام، لأنها تدخل ضمن الموقف العام الذي اتخذه أكابر العلماء من هذه القضية منذ المائة العاشرة ـ فيما عدا ابن القاضي بفاس ـ.
أما إحدى هذه الإشارات فنجدها في الأرجوزة التالية للشيخ محمد الولاتي من علماء شيقيط في قوله:
وأحمد اللمطي حين نظرا
في الهاء عندهم سوى التصميم حفاظ أهل الغرب قال: لم أرى
كذاك رخوهم لحرف الجيم ().
وأما الإشارة الثانية فهي من آخر ما كتب في وقتنا، وهي لمؤلف كتاب "المحجة في تجويد القرءان" قال بعد أن قرر أحكام الهمزة وأحوالها وبين أن همزة بين بين تسهل بين الهمزة وجنس حركتها (كذا):
"يجوز إشراب الهمزة المسهلة بين بين صوت الهاء قليلا، ولا سيما المفتوحة، وبه قرأنا على شيخنا عن أشياخه () رحمهم الله ثم قال:
"وإبدالها هاء خالصة ليس براوية، وأراه لحنا" ().
-5موقف أهل الصحراء المغربية وعلماء شيقيط:
ولعل أكثر المواقف صرامة في رفض إبدال همزة التسهيل هاء هي مواقف أهل الصحراء المغربية وما وراءها، ويترجم عن هذه المواقف عدد كبير من الآثار التي وقفت على بعضها أو على الإشارة إليها من آثار قراء الصحراء وعلمائهم.
ومن أبرز من تصدى لهذا المذهب من علماء هذه الجهات الشيخ محمد المختار بن محمد بن يحيى الولاتي، فألف في ذلك نظما ونثرا، وهو من علماء شنقيط توفي سنة 1352هـ.
¥