تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما أن غياب الوعي بهذه الخصيصة يفوت على الباحث في طريق الأزرق وأصولها العامة أهم الملامح البارزة فيها ويواري"عنه أهم المقومات الفنية التي تقوم عليها مذاهبه واختياراته من جهة، ويحجب عنه من جهة ثانية إدراك الأسس التي قام عليها الاختلاف بين المدارس الأدائية في طريقه، وخاصة بين أهل أفريقية والأندلس في عهد "الأقطاب" ثم بين امتدادات هذه المدارس في أيام الوحدة السياسية بين المغرب والأندلس، ثم فيما بين المدارس الأصولية التي قامت في الحواضر المغربية على مدارسة تراث الأقطاب والتكريس على آثارهم في القراءة والأداء وسائر علوم القراءة.

ولا شك أن الجهل بهذه السمة وأمثالها في طريق الأزرق وترك الالتزام بها في الأداء من شأنه أن يجعل القارئ يتردى بسهولة في مهواة تخليط الروايات ومزج هذه الطريق بتلك دون أن يدري أو يشعر، وبذلك يختل ضبطه للفروق التي ميز بها علماء القراءة والأداء مذاهب القراء وبنوا عليها استنباطهم لأصولهم، ويعجز بالتالي عن توفية كل رواية ما تستحقه من أحكام كما هو مقرر في مصادرها المدونة، وكما كان معتمدا عند علماء هذا الشأن في عهود الازدهار.

ولهذا نبه غير واحد من هؤلاء العلماء على ضرورة الاعتناء بترتيب القراء والرواة على مذاهبهم في التلاوة، وأبدى المتأخرون منهم الأسى والأسف على ذهاب هذه العناية وقلة من يحفل بها ويتفطن إليها من المتأخرين.

فهذا أبو زيد بن القاضي يقول بصدد الحديث عن ترتيب القراء في المد على مراتبهم في التلاوة:

"والذي جرى به العمل عند المتأخرين أن المراتب ثلاثة: كبرى لورش وحمزة، وصغرى لقالون والمكي والبصري، ووسطى لابن عامر وعاصم والكسائي، وبها شاع الأخذ في المغرب قاطبة دون تفرقة في اللفظ ـ قال:

"ولم يبق في زماننا هذا والذي قبله من يفرق بينها، فالناس يقلد بعضهم بعضا" ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn1)).

وقال ابن القاضي أيضا في "الإيضاح": "تنبيه: الذي نص عليه أهل الفن قاطبة لا بد من التفرقة بين مراتب المد في الأداء والرواية، ولا يضبط ذلك إلا بمشافهة شيخ عارف متقن عالم بأحكامها، ولم يبق في زماننا هذا ولا الذي قبله بأرض المغرب من يفرق بينها، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ذهاب العلم وأهله، وظهور الباطل ودوله" ([2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn2)) قال:

"فمن لم يفرق بينها فليس بمصيب، وان حاز من العلم أوفر نصيب، وإلا فلا فائدة من ذكر المراتب فافهم" ([3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn3)).

وقد سبقه إلى التنبيه على هذا العلامة ابن المجراد فقال: "والسبب الموجب لاختلاف المراتب هو اختلافهم في التلاوة، فمن مذهبه فيها التمطيط والإشباع كانت مرتبته في المد طويلة من نسبة حركاته، وهذا معنى دقيق، لا يفهمه إلا أولوا التحقيق، ولا يتوصل إلى ذلك إلا بمشافهة الأستاذين، ولقاء الفضلاء المحققين" ([4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn4)).

وقال الشيخ مسعود جموع في "الروض الجامع": "ولا بد من التفرقة أيضا بين هذه المراتب الثلاث في الأداء والرواية ولا يضبط ذلك إلا بمشافهة شيخ عالم بذلك، وقد اندثر هذا بمغربنا ولم يبق لذكره خبر، ولا للعمل به نظر، فالناس يقلد بعضهم بعضا، قال شيخنا ـ يعني ابن القاضي ـ:

فصاروا يفرقون بينها بالنية لعدم التحقيق، فنحن أخذنا عنهم ذلك من غير تفريق، والاتباع محتم واجب، إلى أن قال: "وحاصل الأمر يجب الفرق بالنية، كذا أخذوا وهم القدوة ولهم الأجر، وبالله التوفيق" ([5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn5)).

فلينظر القارئ الكريم كيف أخذ الجهل بالمخانق في هذه العلوم، وكيف أمسى التقليد الأعمى يلبس ثياب المشروعية بفعل التقادم والتهاون في الضبط، متنكرا تحت قناع الاتباع المزعوم الذي أعطي حكم الوجوب الشرعي الذي يأثم تاركه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير