تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سوّغوها للحاجة، وكرَّهوها لغير الحاجة ولحفظ الإسلام، فإن الله أنزل كتابه باللسان العربي، وبعث به نبيه العربي، وجعل الأمة العربية خير الأمم، فصار حفظ شعارهم من تمام حفظ الإسلام [ينظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام 32/ 255].

وعندما كان العرب يفتحون بلداً من البلدان لم يكونوا بالتاركين لسانهم ولسان قرآنهم من أجل لسان أحد، وإنما تغلب العربية على أهل المصر المفتوح حتى تُطبق عليه ويعتادها، كما كانوا يكرهون بشدة أن تتفشى فيهم العجمة والرطانة البعيدتان عن لغة الكتاب وأهله، وفى ذلك يقول صاحب اقتضاء الصراط المستقيم: "واعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، ولأهل الدار، وللرجل مع صاحبه، ولأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه .. مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر [ولغة أهلهما رومية] وأرض العراق وخراسان [ولغة أهلهما فارسية] وأرض المغرب [ولغة أهلها بربرية] عوَّدوا أهل هذه البلاد العربية، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم" [الاقتضاء ص 206].

وكما لا سبيل لتحقيق السيادة والريادة لهذه الأمة ولتأدية أسس الإسلام ودعائم الدين إلا بتعليم الفصحى، فإنه لا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن الكريم – سر نهضتها – والوقوف من ثمًّ على صدق الموحى إليه به صلى الله عليه وسلم، إلا عن طريق معرفة لغة العرب التي بها نزل القرآن .. ومن لم تكن له بذلك دراية ولا له عليه إقبال، فشأنه شأن العجمي الذي يعرف الإعجاز في القرآن، من عجز العرب عن الإتيان بمثله وحسب، دون أن يقف هو على حقيقة ذلك.

ونود هنا تقرير أنه على قدر المعرفة بلغة العرب، تكون المعرفة بفضل القرآن وعلو شأنه، وبمقدار نقص آلات المعرفة يكون النقص في إدراك إعجازه البياني، وفى ذلك يقول ابن القيم: "وإنما يعرف فضل القرآن من عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة وعلم العربية وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخُطَبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها، ورسائلها وأراجيزها وأسجاعها، فعلم منها تلوين الخطاب ومعدوله، وفنون البلاغة وضروب الفصاحة ومحاسن الحِكَم والأمثال فإذا علم ذلك ونظر في هذا الكتاب العزيز ورأي ما أودعه الله سبحانه فيه من فنون البيان، علِم كيف عجزت عن مجاراته فصحاؤهم، وكلَّت عن النطق بمثله ألسنة بلغائهم، فيقع – من ثم – في النفوس عند تلاوته وسماعه من الروعة ما يملأ القلوب هيبة، والنفوس خشية، وتستلذه الأسماع، وتميل إليه بالحنين الطباع" [ينظر الفوائد المشوق لابن القيم ص 7].

ولله در شاعر النيل (حافظ إبراهيم) وهو يشكو بث وحزن هذه اللغة العريقة التي راحت تنعي – مع كل ما ذكرناه في فضلها ومكانتها – حظها بين أهلها، بعد أن هجروها ووصفوها بالعجز والتخلف عن مواكبة العصر ومتطلباته، قائلة:

وسعتُ كتاب الله لفظاً وغاية * وما ضقتُ عن آي بها وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة * وتنسيق أسماء لمخترعات

أنا البحر في أحشائه الدر كامن * فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني * ومنكم وإن عز الدواء أساتي

فلا تكلوني للزمان فإنني * أخاف عليكم أن تحين وفاتي

أرى لرجال الغرب عزاً ومنعة * وكم عَز أقوام بعز لغات

أيطربُكم من جانب الغرب ناعب * ينادي بوأدي في ربيع حياتي

أيهجرني قومي عفا الله عنهم * إلى لغة لم تتصل برواة

فإما حياة تبعث الميْت في البلى * وتنبت في تلك الرموس رفاتي

وإما ممات لا قيامة بعده * ممات لعمري لم يُقس بممات

على أن التهاون في تعلم الفصحى وافتقاد السعي الدءوب في تعلمها والوقوف على أسرارها قد يؤدي أحيانا إلى الانحراف عن دين الله، ولقد قرأ رجل قول الله تعالى: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله .. التوبة /3)، فنطق (ورسوله) بالكسر، فسمع ذلك أعرابي، فقال: أو قد برئ الله من رسوله؟!، إن كان ذلك فلقد برئتُ منه، فذهبوا إلى عمر، فقال: ليس هكذا يا أعرابي ولكن: (أن الله بريء من المشركين ورسولُه) أي ورسوله برئ كذلك – يعنى بالرفع على أنها مبتدأ لخبر محذوف – فقال الأعرابي: (وأنا أبرأ مما برئ اللهُ ورسولُه منهم).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير