تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما جاء عهد عمر بن عبد العزيز أمر بالكف عن اضطهاد بني هاشم، وقسم فيهم سهم ذي القربى، فانتعشوا وكتبوا إليه: يشكرون له ما فعله من صلة أرحامهم (28). وأخذ علي بن عبد الله بن العباس، ومحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يدفعان عنه ويَزعان الناس في اغتيابه (29).

ولما تولي هشام اعتنى بعلي بن عبد الله بن العباس، وأحسن إليه، فكان يتهلَّل له ويُدينه ويحمل عنه دُيونه إذا وفد عليه، وصبر على نشاطه السياسي وتغافل عنه وتغاضى عن أمله في الخلافة، واستهان بعمله للفوز بها، حتى أخطأ في تقدير خطره وقصّر عن إدراك تهديده لملك بني أمية إذ كان يهزأ بما يبلغه من أخبار نزوعه إلى الخلافة ويستخف بتوقعه لتحولها إلى بنيه، وكان ينسب ذلك إلى فساد عقله وضعف رأيه وأضغاث أحلامه في شيخوخته (30). ويرى بعض المؤرخين أن علي بن عبد الله بن العباس كان أوّل من تمنَّى الخلافة من بني العباس وشرع في تأسيس الدعوة لهم على انتقال الخلافة إليهم، وأظهر ذلك وجهر به (31)، هذا وقد توفي علي بن عبد الله بن العباس عام 118ه (32).

(4) محمد بن علي بن عبد الله بن العباس:

كان محمد بن علي بن عبد الله بن العباس المتوفَّى سنة 125هـ خمس وعشرين ومائة (33)، أنبه إخوته وأفضلهم، وهو الذي رسَّخ قواعد الدعوة لبني العباس، وشيَّد أركانها، ورفع بنيانها، فقد شمَّر لتوطيدها وبثها، فوضع أنظمتها وشعاراتها وأنشأ مجالسها واختار قادتها، ومكّن لها في الكوفة وخراسان، وشحذ عزائم أنصارها وهيَّأهم ليوم إعلان الثورة وتفجيرها، وكان من أجل الناس وأعظمهم قدراً وكان بينه وبين أبيه أربع عشرة سنة، وكان عليُّ يخضب بالسَّواد، ومحمد بالحُمرة، فيظن من لا يعرفهما أن محمداً هو علي (34)، وكان عابداً زاهداً وكان له علم وفقه ورواية وكان ثقة ثبتاً مشهوراً (35) وكان مجاهداً يغزو الصائفة هو وعدة من إخوته ومواليه (36)، وكان سيد ولد أبيه (37)، وخيرهم ديناً، وأسخاهم كفاً وكان سمح النفس شديد الصَّبر (38)، صليب الفؤاد حصين الرأي حسن التدبير، قوي الحُجَّة، سديد المنطق، بليغ القول (39).

(5) علاقته بأبي هاشم ووصيته له:

بعد موت محمد بن علي بن الحنفية بالمدينة عام (81ه) افترقت شيعته إلى فرقتين:

الأولى: دامت متمسكة بآرائها الكيسانية، فقد قالت: إنه غائب عنا لكنه حي يرزق بجبله (جبل رضوى) ولا بد من رجعته، فهم لا يوالون غيره، لأنهم ينتظرونه.

والثانية: تحولت إلى القول بإمامة ابنه عبد الله – المكنَّى بأبي هاشم من بعده، وسميت بالفرقة الهاشمية (40). وتعتقد أن أمر الشيعة صار إلى أبي هاشم بوصية من أبيه، وهذه الفرقة تعتبر أكبر الفرق العلوية وأدقها تنظيماً وأكثرها حماساً وقد عرف أبو هاشم هذا برجاحه عقله وسعة علمه، وحسن تدبيره، ومعرفته بأحوال الفرق، فزادت شيعته بعد وفاة والده، فأخذ يدير الأمور، ويبعث الدعاة مع السرية التامة، موضحاً – في نظره – أحقيته بالخلافة، التي هي لهم دون الأمويين ناشراً فظائع ومظالم بعض خلفاء الدولة الأموية (41)، وكان أبو هاشم قدم على سليمان بن عبد الملك بدمشق، فأكرمه وأجازه، وسار أبو هاشم يريد فلسطين أو الحجار، فمرض في الطريق وأحسَّ بالموت، ولم يكن له ولد، فعدل إلى الحُميَمةِ، ونزل على محمد بن علي، فأوصى إليه بالإمامة وسلم إليه كُتُب الدُّعاة وأوقفه على ما يعمل به، وصرف شيعته إليه وأمرهم بالسمع له، وأعلمه أن الخلافة في ولده عبد الله بن الحارثية (42)، وسواء أكانت وصية أبي هاشم صحيحة أم موضوعة فإن بني العباس وشيعتهم اعتمدوا عليها في تقرير حقهم في الخلافة ولم يزالوا يذكرون أن الخلافة أتتهم من جهتها إلى أيام أبي جعفر المنصور (43). وليس من الثابت أن سليمان بن عبد الملك راعه ذكاء أبي هاشم فخافه وفزع منه، ولا أنه أنفذ له من سَمَّهُ بعد أن رحل عنه وإنما مات حتف أنفه (44). وقد أكد جماعة من المؤرخين تحول دعوة أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية إلى العباسيين والتي عمل من أجلها حوالي سبع عشرة سنة، واستقطب فيها كبار الشيعة العلوية من أهل العراق وخراسان وفرقهم على المدن والأقاليم نظم هذه الدعوة ورعاها، وأعدها لليوم المرتقب وقد كانت وفاته عام 98ه بعد موت محمد بن علي بن الحنفية بالمدينة عام (81ه).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير