(6) أسباب تنازل أبي هاشم لمحمد بن علي العباسي:
وعلى ضوء ما جاء من النصوص التاريخية التي ذكرت تنازل أبي هاشم عن الدعوة لمحمد بن علي العباسي عندما أحس بدنو الأجل، نستطيع أن نقول: ليس هناك ما يمنع من تنازل أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية لمحمد بن علي عن دعوته السرية التي يطلب بها الحق العلوي في الخلافة، لما نراه من أسباب نجملها فيما يلي:
(أ) أن دعوته كانت قابلة للنجاح والفشل، وقد تكون للفشل أقرب، لاسيما وأنها توصف بالغلو (45) وهذا مما يقلل من أهمية هذا التنازل.
(ب) عرف أبو هاشم أنه لا أمل له في الوصول إلى الخلافة، بعد أن عرف قرب أجله، ولم يسعفه الوقت في حرية اختيار شخص آخر ووجد أفضل الخيارات في تلك اللحظة هو محمد بن علي.
(ج) كما أن أبا هاشم لم يكن له ولد يخلفه (46)، فيوصي له بالأمر من بعده.
(د) كان بين أبي هاشم ومحمد بن علي العباسي علاقات ودية ولقاءات علمية وصداقة قوية، الأمر الذي ساعد على تنازل أبي هاشم لمحمد هذا.
(هـ) كان أبو هاشم قد عرف كبار شيعته ودعاته من أهل العراق وخراسان بمحمد بن علي العباسي أثناء ترددهم عليه، كما أخبرهم أن الأمر صائر إليه بعد وفاته (47)، كما تزعم بعض الروايات.
(و) لما عرف عن محمد بن علي العباسي من رجاحة العقل والدهاء، وحسن التدبير والتصرف .... ، فقد كان أبو هاشم كثيراً ما يستعين بآرائه حول موضوع الدعوة والدعاة، كان محمد بن علي قد عرف برجاحة العقل وسعة الذكاء، ومعرفته بأحوال الرجال والديار وقد استفاد من الأحداث التي جرت في عصره، وبالأخص ما وقع بين أبناء عمه العلويين والأمويين في صراعهم الدامي من أجل الخلافة، فقد درس أسباب الفشل والنتائج لهذه الأحداث، واستغل ما حصل من القتل والتشريد على إثر ذلك. ولما علم كبار الشيعة العلوية في العراق وخراسان بموت زعيمهم عبد الله بن محمد (أبو هاشم) وانتقال الدعوة إلى محمد العباسي، ساروا إلى الحميمة للتعزية بوفاة إمامهم عبد الله ولتهنئة إمامهم الجديد محمد بتولية قيادة الدعوة " دعوة آل البيت " ومبايعته وتقديم العهد له، ببذل أموالهم وأنفسهم من أجل نجاح هذه الدعوة، وقد رأى محمد بن علي العباسي صدق هؤلاء
الأنصار – وتحمسهم ولمس حبهم لآل البيت، وكرههم لبني أمية وتمنيهم لزوالهم (48).
ثانياً: المشروع العباسي في المرحلة السرية: عندما نتأمل في مفردات المشروع العباسي في المرحلة السرية نلاحظ أنه يتكون، من قيادة حكيمة، وهيكل تنظيمي واضح المعالم، ومرجعية شرعية وتاريخية، ومبادئ قام عليها المشروع، وقدرة فائقة على التخطيط، ولقاءات دورية بين القيادة، والدعاة والنقباء، وكان المشروع العباسي قد استهدف شرائح من المجتمع عانت من ظلم الأمويين مع الأخذ بالجانب الأمني والاهتمام بالبعد الاقتصادي والإعلامي:
(1) القيادة:
تسلم محمد بن علي العباسي التنظيم السري من أبي هاشم وبدأ مسار التنظيم الجديد يتغير عن القديم في بنيته الفكرية والاجتماعية وغيرها ولكن كان ذلك مع التدريج وقد توفرت صفات الزعامة في شخصية محمد بن علي، من قيادة واعية، وقدره على التخطيط الصحيح، وقد برهن على عبقرية فذة في التنظيم والتخطيط للدعوة، مع قناعة الإتباع بزعامته الروحية والعلمية، فقد اشتهر بالعبادة والعلم، واستمر في تشكيل الحركة على أصول العقائد السنية، واستفاد من مدرسة جده عبد الله بن عباس في ذلك كما سيأتي، وعمل على جذب الأنصار والأخذ بأسباب النصر على الأمويين، وقد استفاد من تشكيلات محمد علي التنظيمية كثير ممن جاء بعده ممن سعى لقيام دولة مع التطوير كالموحدين، والفرق الباطنية وغيرها، وقد استطاع محمد علي العباس أن يحكم قبضته على أمور الدعوة من خلال جهاز بالغ الدقة في التنظيم والإدارة وقد استمر في عمله السري حتى وفاته عام 125ه.
¥