تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بقى العباسيون في معزلهم بالكوفة مدة أربعين يوماً إلى أن علم بأمرهم بعض قادة الجيش في معسكر حمام أعين، وعلى رأسهم القائد أبو الجهم بن عطية ومعه من القادة موسى بن كعب التميمي وإبراهيم بن محمد الحميري، وأبو غالب عبد الحميد بن ربعي، وسلمة بن محمد، وعبد الله الطائي واسحاق بن إبراهيم، وشراحبيل، وعبد الله بن بسام وغيرهم، وجاءوا إلى العباسيين وبايعوا أبا العباس عبد الله بن الحارثية، وسلموا عليه بالخلافة في 12 ربيع الأول 132ه ثم أخرجوه إلى منبر المسجد لإعلان خلافته، وتسمى أبو العباس بأمير المؤمنين بينما اتخذ أبو سلمة الخلال لقب وزير آل محمد (231)، وجاء في رواية: أن أبا سلمة الخلال عندما ما أراد إخراج الخليفة العباسي نزل إلى السَّرداب وصاح يا عبد الله، مُدَّ يدك، فتبارى إليه الإخوان. فقال أيُّكما الذي معه العلامة؟ قال المنصور: فعلمت أني أخرت، لأني لم يكن معي علامة، فتلا أخي العلامة وهي: " ونريد أن نمن على اللذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ... " (القصص: 5) فبايعه أبو سلمة وخرجوا جميعاً إلى جامع الكوفة، فبُويع وخطب الناس (232) فكان أول ما نطق به: (الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه فكّرمه وشرّفه وعظمَّه واختاره لنا، وأيَّده بنا، وجعلنا أهله وكهفه والُقوَّام به والذَّابيَّن عنه، والناصرين له وألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحق بها وأهلها خضَّابرحم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته واشتقنَّا من نبعته ووضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع، وأنزل بذلك على أهل الإسلام كتاباً يتلى عليهم فقال: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (الأحزاب: 33) وقال: " قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربي " (الشعراء: 214).

وقال: "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى" (الحشر،: 7). فأعلمهم الله عز وجل فضلنا وأوجب عليهم حقنا ومودَّتنا وأجزل من الفيء – والغنيمة نصيبنا، تكرمة لنا، وفضلة علينا، والله ذو الفضل العظيم وزعمت السَّبئيَّة الضلال أن غيرنا أحقُّ بالرَّياسة والسيَّاسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم بم ولم أيها الناس؟ وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم وبصَّرهم بعد جهالتهم وأنقذهم بعد هلكتهم وأظهر بنا الحق وأدحض بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسداً، ورفع بنا الخسيسة، وأتّم النَّقيصة، وجمع الفرقة، حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبرَّ ومواساة في ديناهم، وإخواناً على سُرُر متقابلين في أُخراهم، فتح الله ذلك مِنَّةً ومنحة لمحمد صلى الله عليه وسلم، فلما قبضه الله إليه قام بذلك الأمر من بعده أصحابه وأمرهم شورى بينهم، فحَوَوْا مواريث الأمم فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها وخرجوا خِماصاً منها، ثم وثب بنو حرب ومرون فابتزوُّها وتداولوها، فجاروا فيها، واستأثروا بها وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حينا حتى آسفوه (233)، فلمّا آسفوه انتقم منهم بأيدينا، وردّ علينا حقَّنِا، وتدارك بنا أمَّتَنا وولى نصرنا والقيام بأمرنا؛ ليَمُنَّ بنا على الذين استضعفوا في الأرض وختم بنا كما افتتح بنا وإني لأرْجُو أن لا يأتيكم الجَور من حيث جاءكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصَّلاحُ، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله، يا أهل الكوفة، أنتم محلُّ محبَّتنا ومنزل مودَّتنا، وأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السَّفَّاح الهائج والثائر المبير) (234)، وكان به وعك فاشتَّد عليه حتى جلس على المنبر ونهض عمُّه داود فقال: (الحمد لله شُكراً شُكراً شكراً الذي أهلك عدوَّنا، وأصار إلينا مِيراثنا من نبينَّا، أيها الناس الآن انقشعت أرْضُها وسماؤها وطلعت الشمس من مطلعها، وبزغ القمر من مبزعه ورجع الحقُّ إلى نصابه في أهل بيت نبيكم، أهل الرَّأفة والرّحمة بكم والعطف عليكم، أيها الناس، إنا والله ما خرجنا في طلب هذا الأمر لنُكثر لجُيناً (235) ولا عقيانا (236)، ولا لنحفر نهراً ولا لنبني قصراً، وإنما أخرجنا الأنفة من ابتزازهم حقَّنا والغضب لبني عمَّنا ولُسوءٍ سيرة بني أمية فيكم، واستذلالهم لكم واستئثارهم بفيئكم وصدقاتكم، فلكم علينا ذمة الله وذمة رسوله وذمّة العباس، أن نحكم فيكم بما أنزل الله،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير