تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد مرت دعوتهم هذه عبر ثلاثة: وكانت أولاها سرَّيَّة، وكانت الثانية جهرية، أما الثالثة والأخيرة فكانت للحرب والضرب وانتزاع ما تحت أيدي الأمويين بالقوة.

وفي خلال اثنتين وثلاثين سنة من العمل الجاد والكفاح المتواصل استطاعوا أن يدركوا الهدف، ويبلغوا الغاية، ويقيموا لأنفسهم خلافة ظلت ألويتها خفاقة على العالم الإسلامي أكثر من خمسمائة سنة.

ولخطورة هذا الموضوع وأهميته، فقد تناولَتْه أقلامٌ كثيرةٌ من الشرق والغرب غير أنها لم توفه حقه من البحث والدرس والاستقصاء.

والسبب في هذا هو أنها لم تتناوله بطريقة أكاديمية تبسط الروايات وتحللها، وتوازن بينها وتصدر أحكامها التاريخية على أسس العلم وقوانين المنطق.

وهذا هو أحد الأسباب التي من أجلها اخترت هذا الموضوع، وثم أسباب أخرى كثيرة منها:

إماطة النقاب عن أسرار دعوة بني العباس، والتخطيط العبقري الذي وضعوه لها.

ومنها الرغبة في أن أثبت للذين يتحاملون على العرب، ويدَّعون أنهم لا يملكون القدرة على إقامة الدول، وإنشاء الممالك عكس ما ذهبوا إليه.

ومنها أنني أريد أن أثبت بالدليل أن العباسيين قد راعوا الدين في كل خطوة من خطوات هذه الدعوة، ولم تكن الغاية عندهم تبرر الوسيلة، وإبطال ما يدعيه المستشرقون من أن الدين لم يكن شيئاً أساسياً في إدارة شؤون دعوتهم.

وثم سبب خامس لا سبيل إلى إغفاله، ولا أغض الطرف عنه وهو إثبات أن ما أسهم به العرب في الدعوة العباسية لم يكن أقل مما أسهم به الفرس فيها. وذلك عكس ما هو معروف من أن هذه الدعوة قد قامت على كواهل الموالي وبسواعدهم وسيوفهم.

ولكي أسير في جمعي لمادة هذا الموضوع وكتابته سيراً سليماً لا عوج فيه ولا انحراف، فقد وضعت لنفسي منهجاً وألزمتها بأتباعه قدر الاستطاعة، فاقتصرت في جمعي للمادة على المصادر الأصلية والوثيقة الأقرب منها إلى الأحداث فالأقرب.

وقدمت المصادر المعتمدة على الطرق والأسانيد على غيرها مما ليست لها هذه الميزة الهامة.

ولم أجمع مادتي من هذه وتلك كيفما اتفق، وإنما أنعم النظر في الروايات المختلفة، والأخبار المتعددة وأختار منها ما كان أدنى إلى الحق، وأقرب إلى الصواب والصدق.

ولا أكتفي بهذا وحسب، ولكنني أنسب الكثير من الروايات إلى رواتها والأخبار إلى قائليها، وذلك حتى يسهل عليَّ الترجيح بين خبرٍ وخبر، وبين رواية ورواية.

وبالنسبة للمراجع والكتب الحديثة، فإنني لا أرجع إليها في التأريخ للحوادث ولكن بإيثار رأي على رأي، وترجيح وجهة نظر على أخرى. فإن بعض هذه الكتب قد لا تتوخى الدقة، بل ولا الأمانة في تسجيلها للحوادث ولا في تحديد أزمنتها وأمكنتها.

وفي مرحلة الكتابة فإني قد اعتمدت على بسط الروايات، ومقارنة بعضها ببعض، وإصدار الحكم التاريخي بناء على هذا العرض وهذه المقارنة والموازنة.

ووقفت طويلاً أمام آراء المستشرقين ومن نسجوا على منوالهم لإظهار ما فيها من التجني والافتراء، ومناقشته في إنصاف وحيدة وإبداء رأيي بعد هذا كله مشفوعاً بالحجة ومدعوماً بالدليل.

وفي ترتيبي لمصادري في هوامش البحث، توخيت أن يكون وفقاً لوفاة المؤلفين، وذلك حتى يعرف القارئ وفي سهولة أي هذه المصادر أقرب إلى ساحة الأحداث، وأيها أبعد.

ولم أدع في الأصل مدينة ولا قرية إلا وأكتب عنها إلماعة موجزة حتى يكون القارئ على علم بالأمكنة التي وقع فيها الحدث الذي أؤرخ له. ونسجت على هذا المنوال نفسه بالنسبة للأشخاص، فترجمت لكل شخصية تمر في المتن معتمدةً على أوثق المعاجم المتخصصة في هذا المجال. وحتى الأشخاص الذين لم أعثر على ترجمة لهم في المصادر التي تحت يديَّ، فإني أكتب لها ترجمة مما كتبته عنها كتب التاريخ.

وهدفي من هذا هو: أن يعرف المطَّلع على هذا البحث قيمة الأشخاص الذين أكتب عنهم من جهة، ومدى تأثيرهم في الأحداث التي أؤرخ لها من جهة ثانية.

وبالنسبة للأسلوب الذي كتبت به هذا البحث، فإني قد آثرت أن يكون سلساً رقيقاً حلو العبارات. وذلك لأن الأساليب العلمية الجافة تصرف القارئ عن المتابعة، وتجعل الملل يتسرب إليه، ولَّما يقطع غير جزء يسير منه.

ويبقى التخطيط لموضوع هذا البحث وهو يشتمل على مقدمة وأربعة فصول، وخاتمة.

فأما المقدمة فقد ضمنتها ثلاث نقاط وهي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير