هذا وفي مقدمة من روى عنهم من ثقات الأعراب ((الفزاري)) و ((أبو الورد العقيلي)) و ((زياد بن عبد الله العامري)) , وهو _ أعني العامري _ أشهر هؤلاء الأعراب النجديين , وأوسعهم علماً بشؤون بلاده , وخصوصاً القسم الشرقي المتاخم للعراق , اعتبر ذلك بقوله في وادي الرمة ((الرمة: واد بين أبانان , يستقبل المطلع ويجيء من المغرب , وهو أكبر واد نعلمه بنجد)) 0 فهذا الأعرابي إذا أراد أن يصف بلاده , أرسل كلامه إرسال القضايا المسلَمة , لا يجاريه أحد في وصف نجد خاصة بقسميها الشمالي والجنوبي أو الأعلى والأسفل 0 وصَف مراعي هذه البلاد وأعداد مياهها و أنجادها وأغوارها ومن فيها من القبائل والبطون , وأسواقها وقراها ومزارعها , إلى غير ذلك 0 وقد أ بدع العامري في وصف ((حَجْر اليمامة)) وضواحيها , وأشار إلى عظمتها , وأن منبرها أحد المنابر الأولية , وأنها منزل السلطان والجماعة , وجلّ أهلها بنو عبيد 0 وكل ما في الكتاب من فصول ممتعة في وصف اليمامة وأحوالها من طبيعية واقتصادية وعمرانية , فهو للعامري المذكور , واليمامة كما لا يخفى اسم يطلق على الديار النجدية في كتب الشعر والأدب والبلدان القديمة 0 وفي وسعنا أن نقول والحالة هذه أن الكتاب في جملته نقل عن العامري , فهو يعول عليه أكثر من بقية الأعراب , ويعتمد على أقواله سلباً وإيجاباً 0 فإذا أراد ((لغدة)) غمز رواية , أو تضعيف قول في كتابه , قال: ((لم يعرفه العامري)) 0 وإذا أراد عكس هذا , قال: ((قاله العامري)) , إلى غير ذلك, فكأن كلام ((العامري)) كلام أبدى بدوي وأفصح عربي , وتعد أقواله في أحوال بلاده حجة قاطعة.
مميزات الكتاب /
يمتاز ((لغدة)) في طريقته وأسلوبه بمميزات , منها تعويله على المشاهدة والعيان , لا على مجرد الرواية أو النقل عن الكتب فقط؛ فطريقته في كتابه هذا تختلف عن طريقة غيره من المصنفين في موضوعه 0 ومن ذلك أن القبيلة عنده هي الأساس في البحث , يذكر القبيلة أولاً ثم يشرع في ذكر ما يضاف إليها من منازل ومناهل وغير ذلك 0 وهو يعقد لكل قبيلة فصلا يذكر فيه ديارها ومياهها , فإذا انتهى من البحث في قبيلة مثلا , قال: ((فهذه مياه غنِي)) , ثم انتقل إلى مياه قبائل أخرى من الضِّباب وجعفر ومياه أبي بكر, ثم يأتي إلى مياه جعدة و هِزّان ونمير و قشير و باهلة , ومياه التيم وربيعة وما تملكه هذه القبائل من أرض أو واد , ويُعنى مضافاً إلى هذا , بتعيين الحدود على وجه مفصل كلَ التفصيل 0 ولا نعرف كتاباً آخر في جزيرة العرب سلك مؤلفه فيه هذا المسلك الطريف , فتسمية القبائل على إختلاف فروعها وأفخاذها وذكر مالها من أثماد ومنازل وغير ذلك , يدل على خبرة لا مزيد عليها 0 ومن ذلك نعلم أن أسماء القرى والأودية المعروفة الآن بنجد , هي أسماؤها القديمة؛ ويكاد يكون الكتاب في جملته خاصاً بتقويم البلاد المعروفة قديماً باليمامة وحديثاً بالديار النجدية.
درج أكثر المؤلفين في المسالك والممالك على وصف المناهل والمنازل الواقعة على قارعة الطريق , طريق الحاج من العراق إلى الحجاز , وبالعكس 0 وليس في وسع هذه الطبقة من المؤلفين في المسالك والممالك أن ينتقلوا يمنة ويسرة وشرقاً وغرباً , فهذا شأن من بذل جهده في البحث و الإستقصاء العلمي , وكانت الرحلة شغله الشاغل 0 فهل كان المؤلف يصف جزيرة العرب وصف مشاهد؟ وهل رحل إلى تلك البلاد , أو أكثر من الإ قامة بين قبائلها , يرحل برحيلهم وينزل بنزولهم؟ أم أعتمد فقط على الثقات من الأعراب المنتسبين إلى قبائلهم , فروى أقوالهم ,وجمع كتابه من سماعاته عنهم ,كما فعل مع صاحبه ((العامري))؟ لا يخلو الأمر من غموض , وليس في الكتاب نص قاطع على هذا أو ذاك , إلا أننا نستنتج إستنتاجاً من بعض نصوص هذا الكتاب أن المؤلف عاش في جزيرة العرب , ورحل إليها , إذ نجده يقول في بعض كلامع على ديار ((بني بكر)) ما هذا نصه)) ((والجباجبة)) ماء لربيعة بن قرظ , عليها نخل , وليس على شيء مما سمينا نخل غيرها وغير الحرولة , فإن عليها نخلاً محدثاً)) فهذا وصف لا يخلو من دقة وهو يشبه وصف مشاهد لهذه الأمكنة 0 ومثل ذلك قوله: ((ولهم _ يعني بني جُشَم _ فوق ذلك عدامة , وهي أبعد ماء نعلمه بنجد قعرا 0)) ومن ذلك أيضاً قوله ((: ومن الجبال الشموسان
¥