تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأول قرار أصدره كلوزيل بشأن الأملاك كان في8 سبتمبر 1830 ومما جاء فيه (قارنه باتفاق حسين باشا-بورمون):

إن كل الدور والدكاكين والمخازن والحدائق والأراضي والمحلات والمؤسسات مهما كانت التي يشغلها الداي (الباشا) والبايات والأتراك الذين خرجوا من أيالة الجزائر (والواقع أنهم لم يخرجوا من تلقاء أنفسهم وإنما رحلوا ترحيلا) أو التي يشغلها الآن الناس باسمهم بالإضافة إلى المؤسسات التابعة لمكة والمدينة (الأوقاف وهي بالطبع لا تخص الأتراك بل كان الجميع يساهمون فيها) كل ذلك يدخل في أملاك (الدومين) ويجب أن تستثمر لحسابها.

ومن أغرب ما نص عليه ذلك القرار الجائر ضربه أجل ثلاثة أيام فقط للإستظهار بإثبات الملكية وإلاّ فان سلطات الغزو تصادرها بدون انتظار. وغذا كنت لا تصدق ما في ذلك القرار من جور واعتساف وخلف العهود فاقرأ هذا: كل الأفراد الذين تخضع تلك الأملاك عليهم أن يتقدّموا (بما في ذلك حسين باشا الذي أصبح منفيا والوزراء والإنكشارية الذين وصلوا إلى أناضوليا والبايات الخ) في ظرف ثلاثة أيام من نشر القرار بإثبات البيانات التي تحتوي على: طبيعة ووضع وكمية الأملاك التي في حوزتهم وكمية الدخل منها أو الأجر الذي ينجرّ عنها وأخيرا مدة آخر الدفع. واتباعا لأسلوب البوليس الذي مهر فيه كلوزيل وروفيقو على الخصوص وعد القرار الرسمي بأن كل شخص يكشف لكلوزيل وزمرته عن وجود ملك لم يعلنه صاحبه يكافأ بنصف الغرامة التي سيفرضها كلوزيل على المالك المتخفي. أما أين تصب هذه الغرامات الجائرة ففي صندوق الجيش طبعا .. وهو الصندوق الذي جعله كلوزيل لاسترضاء زمرته وجعل الجيش يساهم بذلك كما عرفنا في مشروع استعماري (استثمار الأرض التي استولى عليها وجعلها مزرعة نموذجية) عن طريق رأس مال لشركة مساهمة مغفلة الأسهم (78)

وماذا ننتظر بعد هذا من ردود الفعل؟ ان كثيرا من أصحاب تلك الأملاك غائبون كما عرفنا ولم يعطهم القرار سوى ثلاثة أيام لإثبات حقهم فأي معنى لاحتجاجهم اذا وقع؟ وأين هم حتى يحتجون؟ ذلك جانب كان كلوزيل وزمرته يعرفون أنهم مطمئنون منه. أما الإحتجاج الذي ازعجهم وأخافهم من العواقب فهو احتجاج الجزائريين على مصادرة أملاك الأوقاف التي لها قدسيتها والتي اشتركوا في تنظيمها وتغذيتها مثل كل المسلمين كما احتجوا على الطريقة التي عليهم أن يثبتوا بها الملكية الخاصة وعدم النص على التعويض إلخ. واذا كان الخواص قد تولوا الاحتجاج ضد القرار بأنفسهم فإن الاحتجاج ضد ضم الأوقاف جاء من المفتين والعلماء والوكلاء الذين أوضحوا أن الأوقاف لا تمس وأن لها أغراضا دينية وتعليمية واجتماعية أخرى.

ولما كان كلوزيل منشغلا بحملاته الفاشلة التي ذكرناها سابقا ضد المدية والبليدة (سأنقلها في وقت لاحق إن شاء الله) فإنه طأطأ رأسه للعاصفة ثلاثة أشهر ثم عاد إلى موضوع مصادرة الأملاك لأنه وجده أسهل من قيادة مرتزقته في سهول متيجة أو في مضائق الشفة وموزاية

فأصدر قرارا آخر في 7 ديسمبر 1830 طلب فيه من المفتين والقضاة والوكلاء أن يقدموا حساباتهم عن الأوقاف وسجلاتهم وأوراقهم الى مدير الدومين وهدد المخالفين بالعقاب الشديد وقد وعدهم بأن إدارة الدومين ستدفع لهم من حساب الأوقاف ما يحتاجون إليه شهريا (79)

والواقع أن هناك هدفين من مصادرة الأملاك على ذلك النحو الأول سياسي والثاني اقتصادي وهما متصلان إلى حد بعيد. فأما الأول فهو خوف الفرنسيين من أن بقاء المسلمين على أملاكهم وحصوصا أملاك الأوقاف التي هي مقدسة عند الجميع سيجعل من وكلائها وعلمائها ومفتيها زعماء دينيين سياسيين معارضين للوجود الفرنسي وهي قوة لم يحسب لها الفرنسيون حسابا عند توقيع الإتفاق مع داي الجزائر. والثاني أن بقاء تلك الأملاك في أيدي المسلمين سيبقيهم أغنياء ومستغنين عن السلطة الجديدة ولن يحصل الأفاقون الفرنسيون الذ

ين رافقوا الجيش على طريقة لشراء الأملاك والاستقرار في الجزائر. وتذكر المصادر الفرنسية ذلك بكل وضوح بينما تأميم الأملاك يسهل عملية نقل الملكية ويفقد المسلمين مصدر ثروتهم الإقتصادية (والعلمية) وقوتهم السياسية ويحقق هدف الإستعمار.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير