هذه لفتة الى الماضي المعلوم تشهد للجزائر بأنها منبت رجال ومعدن نبوغ ومطلع بدور وتلك معجزة المغرب المتقدم ومقرعة المغرب المتأخر
لم يقف تاريخ الجزائر حيث وقف ابن خلدون وان وقفت الاقلام بعده عن وصل عمله بحلقات من نوع سلسلته وذلك مظهر من مظاهر تدليه
حقا ان حركة العلم والأدب لم تنقطع من الجزائر بعد عصر ابن خلدون ولكن اعتراها الجمود والشلل وأصابتها طبيعة الانحطاط المطرد من تغن بفضل السابق على اللاحق تغنيا مشعرا بأن ذلك الفضل وهبي لا كسبي واعجاب من المتأخر بالمتقدم ميئسا من بلوغ درجته واكبار الخلف للسلف اكبار تقديس في غير اقتداء
لعل الاخ الكريم يريد بحركة العلم والأدب الحركة الحاضرة ولكن الحاضر انما يبنى على الماضي والذي تريد مدحه ان لم تجد فيه نعوتا حقيقية نعته بنعوت سببية على أن للنعت السببي فائدة التذكير الموقظ للشعور الباعث للعزائم المؤيدة للنصيحة
ان حركة العلم والادب في العصر الحاضر تمتد في ماضيها نحو سبعين سنة يمثلها في نظرنا دوران: الدور المجاوي والدور الباديسي الزيتوني ولزهادة كتابنا في هذه المباحث كان هذا التحديد والتسمية من وضعنا في هذا المقال
المجاوي هو الشيخ عبد القادر المجاوي ومجاوة من قرى تلمسان تعلم بمسقط رأسه ورحل الى فاس وجلس للاستفادة والاستزادة أمام شيوخ جامع القرويين ثم عاد وزار قسنطينة فاستقر به للتدريس والتصنيف واشتهر ذكره فأمه الطلبة من البوادي وكان يحمل العلوم المقروءة بالقرويين يدرسها باسلوب يقربها من فهم البليد فكثر تلاميذه لذلك ثم توظف عند الحكومة في التعليم الرسمي بقسنطينة ثم بالجزائر: واتفق أن زار بعد ذلك قسنطينة فتوفي بها ودفن في مقبرتها العامة –رحمه الله-
ومصادر التعليم في الدور المجاوي ثلاثة نرتبها حسب ترتيب أهميتها في نظرنا
المصدر الأول:التعليم الرسمي:
مقسم الى ثلاث درجات:
الدرجة الابتدائية: لها شيوخ في مساجد مخصوصة بمدن الوطن وبعض قراه وليست له مدة مضبوطة وانما يحد بالامتحان
والدرجة الثانية: لها ثلاث مدارس بقسنطينة وتلمسان والجزائر تقبل عددا معينا تتفق عليه الحكومة وسنواتها أربع ينتقل فيها من سنة الى أخرى بالامتحان
والدرجة العالية: لها قسم واحد في الوطن بمدرسة الجزائر ومدتها سنتان والتع_ليم الرسمي مع كونه نظاميا ليس فيه تجديد من ناحية العربية
فكتبه ثديمة وطريقته قديمة نعم تعلم الفرنسية في المدارس الثلاث الى جانب العربية فاستفاد التلاميذ من ناحيتها شيئا من حرية الفكرة ومقدارا من الشعور ونصيبا من تقدير الحياة وثمرة هذا المصدر هي التوصل الى الوظيفة: اما العلمية بالتدريس في المساجد ثم المدارس واما الشرعية بالانتظام في سلك القضاء الاسلامي وأما القانونية فبالوكالة في المحاكم الابتدائية اسلامية ومدنية
وفائدة العلم والادب من هذا المصدر هي فائدة الحكومات نعم لكل قاعدة شواذ ولكل عموم خصوص فهناك من خريجي هذا المصدر من نفع بعلمه ومن زان القضاء بسيرته ومن حرك الشعور بأدبه تحريكا ما
المصدر الثاني:الزوايا
وهي في القسم القبائلي ولا سيما زواوة مؤسسات علمية وفي غيره مؤسسات طرقية غالبا
تدرس بهذا المصدر كتب خاصة في الكلام والفقه والعربية وهو يؤوي من التلاميذ الكثير جدا ويزيد على التعليم الرسمي بتحفيظ القرآن وتعليم الرسم المصحفي وينقص عنه في حرية التفكير وتربية الملكة ويتفق معه في قلة الأكفاء من الشيوخ وضعف مادة التعليم وجمود الاسلوب ويخالفه في توجيه خريجيه فخريج المصدر الرسمي يتجه غالبا نحو المادة والعمل لها
وخريج المصدر الثاني يتجه غالبا نحو الزهادة في الكسب وفائدة العلم في هذا المصدر تقديس أهله وفائدة الادب تحميس المريدين
المصدر الثالث:التعليم الشعبي
ويكاد ينحصر في تحفيظ القرآن وتعليم رسمه وهو في هذا أكثر تلاميذ وأعم مراكز تجده بالمدن والقرى والبوادي
أما تعليم العلوم فلا تبلغ مراكزه بالوطن كله العشرة فيما أرى
والتعليم الشعبي يتقاضى معلمه أجرته من جماعة لا يد للزاوية في تكوينها ولا نظام لها في جلساتها وماليتها بل يجتمعون عندما تكون للمعلم حاجة الى جمعهم ويقبض المال من كل واحد منهم المعلم نفسه
¥