وقد كان الشيخ عبدالله ملماً بأحداث الماضي والحاضر سواء الأحداث العلمية أو السياسية أو الاجتماعية أو القبلية؛ ولذا شرع في تأليف كتاب أسماه (أحداث المئة الرابعة الهجرية بعد الألف) فمات رحمه الله قبل إتمامه.
كما تميز – رحمه الله – بسرعة الفهم والذكاء وكثرة القراءة التي ملأت جُلّ وقته, كما تميزت ذاكرته بالقوة والدقة، وكان يقول لتلاميذه (ما سمعت شيئاً أو قرأته إلا حفظته). وقد زار المدينة النبوية في إحدى السنوات فمكث بعد رجوعه أسبوعاً، كل يوم يحدثنا بجديد مما سمعه من الشيخ عطية سالم رحمه الله.
ويذكر لنا الشيخ عبدالله أن الشيخ سعود بن محمد آل رشود - قاضي الرياض – أرسل إليه يطلبه بعد صلاة الفجر، قال فجئت إليه في منزله فسألني عن قصيدة قالها قبل عشرين سنة في رثاء شيخه سعد بن حمد بن عتيق, قال لي: إني نسيت بعض أبياتها فهل تذكر شيئاً منها؟، قال الشيخ عبدالله: فقلتها بين يديه وهي أكثر من ثلاثين بيتاً ومطلعها:
على الحبر بدر الحق شمس الفضائل نريق كماء المعصرات الهواطل
ومن قوة ذاكرة الشيخ عبدالله وحبه للتأريخ والسير أنه حينما يطرح عليه سؤال تاريخي يجيب عليه، ثم يحيل السائل على كتاب معين (مثل البداية والنهاية لابن كثير أو غيره) محدداً الجزء والصفحة والسنة، وهذا منهجه في أي كتاب يحيل إليه.
وذات يوم (عام 1399هـ) رأى ابنه الشيخ سعود يقرأ كتابا من كتب المدرسة استعداداً للاختبار للمرحلة الثانوية فقال له: يا بني، كتبكم صغيرة الحجم، وتشرح لكم مدة سنة كاملة، وفي الاختبار قد ينجح أحدكم أو يرسب، وأنا قرأت البداية والنهاية لابن كثير في 14 مجلداً من أكثر من عشرين سنة ولو قيل لي ادخل الاختبار غداً لدخلت بلا تردد.
وقد كان للمعلومة الجديدة عنده قدر كبير بل كان يمكث الأيام أحياناً بحثاً عن مسألة تأريخية أو جغرافية.
كان يصغي إذا تحدث عنده أحد حتى يكمل حديثه فيعلِّق عليه تعليق المفيد المستفيد, لا يسخر من قصة أو حكاية ولو لم تعجبه.
وكان يحب أن يستفيد ولو كان المتحدثُ عنده صغير السن, أو أقل علماً, بل كان يُقدِّر أهل التخصص فلا يتكلم في حكم فقهي عند من هو أعلم منه, ولا يتكلم في مسألة أو علم لا يتقنه ولا يجيده.
كما كان رحمه الله يحفظ الشعر ويستشهد به، وقد قال أبياتاً في الرثاء والشوق إلى بلده وأبنائه حال غربته في شبابه ولكنْ لم يشتهر عنه قرض الشعر.
هذا هو الشيخ عبدالله كما نراه وكما يشهد له الأقربون والأبعدون رحمه الله رحمة واسعة
ومن المقربين منه من غير قبيلة الجذالين بنيان بن محمد آل عاتي، وعبدالله بن محمد آل عاتي، ومبارك بن محمد آل عاتي، وإبراهيم بن حمود الشثري، ومحمد بن حمود الشثري، وعلي بن ماجد، ومسفر بن عبدالله المحيميد وغيرهم
مواقف من حياته
من الصعوبة بمكان أن نحصر المواقف التي حصلت للشيخ عبدالله أو أن نعرف تفاصيلها خاصة المواقف التي لم نحضرها، وسنورد هنا ما اشتهر من تلك المواقف المتعددة سواء كانت متعلقة بالفرائض أو بالفلك والحساب أو بالأنساب والتاريخ.
أولاً: مواقف فرضية:
لقد كان رحمه الله متقناً لمسائل المناسخات التي تعد من أصعب المسائل الفرضية، وهي: (أن يموت ورثة ميت أو بعضُهم قبل قسمة التركة)، والمناسخات لها ثلاث صور، والشيخ عبدالله يقسمها مهما كانت التركة دون ورقة أو قلم سواء كانت نقداً أو عقاراً.
وكثيراً ما يملي علينا قسمة تركات فنكتبها له, ثم يسلمها للسائل، ونذكر مرة أنه أملى علينا قسمة تركة قدرها: (مليون ومئتا ألف ريال)، وهي مسألة مناسخات؛ إذ مات ثلاثة من ورثة الميت الأول قبل قسمة التركة فأعطى كلَّ ذي حق حقه بالريالات والهللات.
ولقد كان بعض القضاة بمحاكم الأفلاج ووادي الدواسر وغيرها من المحاكم يرسلون إليه في قسمة كثير من التركات، أو يرسلون الورثة إليه؛ ولذلك عرض عليه الشيخ عبدالرحمن بن سحمان عام 1389هـ أن ينتقل عمله إلى المحكمة لقسمة التركات والنظارة فاعتذر الشيخ عبدالله ورأى أن يكون عمله هذا احتساباً دون أجر إلا من الله.
¥