تتميز حلب بخصوبة أرضها، فهي أرض معطاء تجود بالزرع والثمرات من غير ري من قبل الإنسان، وهذا من فضله تعالى، قال ياقوت: "وشاهدت من حلب وأعمالها ما استدللت به على أن الله تعالى خصها بالبركة وفضلها على جميع البلاد، فمن ذلك أنه يزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدخن والكروم والذرة والمشمش والتين والتفاح عديا، لا يسقى إلا بماء المطر، ويجيء مع ذلك رخصا غضا رويا يفوق ما يسقى بالمياه والسيح في جميع البلاد، وهذا لم أره فيما طوفت من البلاد في غير أرضها".
مقدار أموالها:
ومن طيب الأرض تكون الغلة الحسنة التي تدفع لميزانية الدولة، وهو مبلغ وفر في ماضي الزمان، قال ياقوت: "وقد ارتفع إليها في العام الماضي وهو سنة 625 من جهة واحدة وهي دار الزكاة التي يجبى فيها العشور من الإفرنج والزكاة من المسلمين وحق البيع سبعمائة ألف درهم، وهذا مع العدل الكامل والرفق الشامل، بحيث لا يرى فيها متظلم ولا متهضِِّم ولا متهضَََّم، وهذا من بركة العدل وحسن النية"
حلب مدينة الشعر والأدب:
حلب مدينة الشعر والأدب مر بها أعلام الشعراء، ونبغ فيها الكثير منهم، من ذلك البحتري صاحب علوة الحلبية، وكانت دارها معروفة بدار علوة، قال ياقوت: "وفي وسط البلد دار علوة صاحبة البحتري". وقد قال الدكتور شوقي ضيف في حديثه عن البحتري: "وامتد به طموحه فتجاوز بلدته إلى بلاد أكبر من حولها، إذ نراه ينزل حلب، وهناك تعرف على علوة بنت زريقة التي شغفته حبا ... وظلت ذكراها لا تبرح ذاكرة البحتري حتى الأنفاس الأخيرة من حياته" [3]
وفي علوة يقول البحتري: [4]
ألام على هواك وليس عدلا
لقد حرمت من وصلي حلالا
تناءت دار علوة بعد ii قرب
وجدد طيفها عتبا ii علينا
إذا أحببت مثلك أن ألاما
وقد حللت من هجري حراما
فهل ركب يبلغها السلاما
فما يعتادنا إلا ii لماما
إلى أن يقول:
لئن أضحت محلتنا عراقا
فلم أاحدث لها إلا ii ودادا
مشرقة وحلتها ii شآما
ولم أزدد بها إلا ii غراما
ومن شعراء حلب الصنوبري، وهو الذي يقول فيها:
حلب بدر دجى أن
حبذا جامعها ii الجا
جمها الزهرُ ii قراها
مع للنفس تقاها
ومنها:
حلب أكرم ii مأوى
بسط الغيث ii عليها
وكساها حللا ii أب
وكريم من ii أواها
بسط نور ما طواها
دع فيها إذ ii كساها
وقال كشاجم يصف حلب:
أرتك ندى الغيث ii آثارها
وما أمتعت جارها ii بلدة
هي الخلد يجمع ما ii تشتهي
وأخرجت الأرض أزهارها
كما أمتعت حلب ii جارها
فزرها فطوبى لمن ii زارها
وورد ذكر حلب في شعر أبي فراس الحمداني وابن نباتة السعدي والسري الرفاء وأبي العلاء المعري مما يصعب تتبعه في مقال موجز، ولكن لا بد أن نقف عند عملاق الشعر العربي
أبي الطيب المتنبي الذي تخرج في مدرسة سيف الدولة، فربما قال القصيدة مقابل دينار واحد قبل صحبة سيف الدولة، فلما صحب سيف الدولة صار يعطيه على القصيدة ألف دينار، فتفتقت موهبة المتنبي، وانطلق عذب شعره يملأ الآفاق، ومما قاله في حلب وأميرها سيف الدولة الذي حمى ثغور المسلمين من الغزو الصليبي في ذلك الزمان: [5]
كلما رحبت بنا الروض قلنا
فيكِِ مرعى جيادنا ii والمطايا
والمسمون بالأمير ii كثير
حلب قصدنا وأنتِ ii السبيل
وإليها وجيفنا ii والذميل
والأمير الذي بها ii المأمول
الوجيف والذميل: ضربان من السير سريعان، ومنها:
كيف لا يأمن العراق ومصر وسراياك دونها والخيول
ومنها:
أنت طول الحياة للروم ii غاز
وسوى الروم خلف ظهرك روم
قعد الناس كلهم عن ii مساعي
ما الذي تدار عنده ii المنايا
فمتى الوعد أن يكون ii القفول
فعلى أي جانبيك ii تميل
ك وقامت بها القنا ii والنصول
كالذي عنده تدار ii الشمول
كتبه/ د. محمد رفعت زنجير
الأستاذ المشارك بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا
...
الهوامش
[1]- معجم البلدان لياقوت، (2/ 282 - 290)، دار صادر، بيروت، 1404ه/1984م.
[2]- تاريخ الخلفاء، للسيوطي، ص (123)، دار الفكر، بيروت.
[3]- تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الثاني، د. شوقي ضيف، ص (270 - 271)، دار المعارف. الطبعة الثانية.
[4]- مختارات البارودي، (4/ 236)، المكتبة الجامعة، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1404ه/1984م.
[5]- ديوان المتنبي بشرح العكبري، صححه مصطفى السقا وزميلاه، (3/ 153 - 157)، دار الفكر.
ـ[محمود الجيزي]ــــــــ[01 - 04 - 10, 11:24 م]ـ
بسم الله أبدأ:
¥