فَلَمْ تَزَلْ جُهَيْنَةَ فِيْ تِلْكَ الْبِلادِ وَجِبَالِهَا وَالْمَوَاضِعِ الَّتِيْ حَصَلَتْ لَهَا؛ بَعْدَ الَّذِيْ صَارَ لِأَشْجَعِ وَمُزَيْنَةَ مِنْ الْمَنَازِلِ وَالْمُحَالِ الَّتِيْ هُمْ بِهَا؛ إِلَىَ أَنْ قَامَ الْإِسْلَامُ؛ وَهَاجَرَ الْنَّبِيِّ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُوْ صَفْوَانَ الْمَرْوانِيّ الْجُهَنِيّ عَفَا الْلَّهُ عَنْهُ:
وَجُهَيْنَةُ لِعِزّهَا وَمَنَعَتِهَا لَمْ تُغْلَبُ وَتُضْرَسُ مِنْ بِِلَادِهَا فِيْ قَدِيمِ الدّهْرِ أَوْ حَدِيثِهِ؛ كَمَا أُجْلِيَتْ عَنْ مَحَالّهَا أَكْثَرُ الْأَعَارِيبِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَالْإِسْلَامِ؛ وَقَدْ قَالَ شَاعِرٌ جَاهِلِيٌّ قَدِيمٌ مِنْ جُهَيْنَةَ فِي (كِتَابِ وَصَايَا الْمُلُوْكِ وَأَبْنَاء الْمُلُوْكِ مِنْ وَلَدِ قَحْطَانَ بْنِ هُوْد):
نَحْنُ الْلِّيُّوْثُ إِذَا حَمَّسنَا فِيْ الْوَغَىْ ...... وَالْحِلْمُ شِيْمَتُنَا إِذَا لَمْ نَحْمسِ
نَحْنُ الصُّخُورُ فَمَنْ يُحَاوِلُ عَضَّهَا ...... تَفْلُلْ نَوَاجِذُهُ الْصُّخُوْرُ وَيُضَرَسِ
نَحْنُ الْبُحُوْرُ فَمَنْ يَخُضْ أَمْوَاجَهَا ...... تَعْطِفْ عَلَيْهِ بِيَمِّهَا المُغْلَنْطَسِ
وَأَرْضِ الْحِجَازِ أَوّلِ مَنْ سَكَنَهَا: الْعَمَالِيقِ؛ وَجُرْهُمٍ؛ وَقَطُورَا؛ فِيمَا ذَكَرَ أَصْحَابِ التّوَارِيخِ وَالنّسّابُونَ؛ وَجُهَيْنَةُ نَزَلَتْ عَلَى بَقَايَا مِنْ جُرْهُمٍ الْآخِرَة عُمُومَةِ بَنِي قَطُورَا؛ وَلِهَذَا قَالَتْ الْجُرْهُمِيّةَ لِلْجُهَنِيّانِ: وََيُبَلِّغُنِيْ بِلَادَ قَطُورَا؟؛ وَقُطُوْرا: فِيْ تَرْجَمَة الْلُّغَةِ الْعِبْرِيَّةِ تَعْنِيْ: (الْبَخُورِ)؛ وَلَعَلَّ لِلْاسْمِ عَلَاقَةٌ وَصِلَةِ مَا بِقَوَافِلَ الْبَخُورِ الْقَدِيْمَةِ؛ الْمُتجَّةِ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ نَحْوَ بِلَادِ الْكَنْعَانِيِّيْنَ مِصْرَ؛ وَالْشَّام؛ وَفِلَسْطِيْن؛ وَكَانَ الْبَخُور؛ وَالبَانُ؛ وَالْعُطُوْر؛ يَجْلِبُ مِنْ بِلَادٍ الْعُرْبِ وَيُسْتَعْمَلُ كطُقَوسُ فِيْ الْمَعَابِدِ كَمَا تَذْكُرُ نُصُوْصِ الْتَّوَّارِة.
وَأمَّا الْعَمَالِيقُ فَكَانُوا جَبَابِرَةٌ هَلَكُوا قَبْلَ مَنْزَلِ جُهَيْنَةَ؛ وَقَدْ وَرَدَ فِيْ الْعَهْدِ الْقَدِيْم (سفْر الْخُرُوْجِ) خَبَر مُحَارَبَةِ الْعَمَالِيَق لِبَنِي إسْرَائِيلَ:
17 - 8: وَجَاء بَنُو الْعَمَالِيَق؛ فَحَارَبُوا إِسْرَائِيْل فِي رَفِيْدِيْمَ
17 - 9: فَقَال مُوْسَى لِيَشُوع: خُذ خِيَرَةِ رِجَالِكَ وَاخْرُج لِمُحَارَبَةَ الْعَمَالِيَق؛ وَغْداً أَّقِفُ عَلَى رَأْسِ الْتَّلَّة وَعَصَا الْلَّهِ فِي يَدِي
17 - 10: فَفَعَل يَشُوْعُ كَمَا قَال لَه مُوْسَى فَحَارَب الْعَمَالِيَق؛ وَمُوَسَى وَهَرُوْن وَحُوْر صَعِّدُوْا إِلَى رَأْس الْتَّلَّةِ
17 - 11: فَكَان إِذَا رَفَع مُوْسَى يَدَهُ يَنْتَصِرُ بَنُو إِسْرَائِيْل؛ وَإِذَا حَط يَدَه يَنْتَصِرُ الْعَمَالِيَقُ
17 - 12: وَلَمَّا تَعِبَت يَدَا مُوْسَى؛ أَقْعَدَهُ هَرُوَنَ وَحُوْرُ عَلَى حَجَرٍ وَسَنَدَا يَدَيْهِ؛ إِحداهُمَا مِن هُنَا وَالأُخَرى مِن هُنَاك؛ فَكَانَت يَدَا مُوْسَى ثَابِتَتَيْن إِلَى غُرُوْبِ الْشَّمْس
17 - 13: فَهَزَمَ يَشُوْع بَنِي عَمَالِيْق بِحَدَّ الْسَّيْفِ
17 - 14: وَقَال الْرَّب لِمُوْسَى: (أُكْتُب خَبَرَ هَذَا الْنَّصَّرِ ذِكْراً فِي الْكِتَابِ وَقُل لِيَشُوعَ: سَأَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيْقَ مِن تَحْتِ الْسَّمَاء)
ثُمّ سَلّطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ بُخْتُ نُصّرَ الْبَابِلِيّ فَدَوّخَهُمْ وَجَاسَ خِلَالَ دِيَارِهِمْ؛ وَلَمْ يُبْقِي مِنْهُمْ غَيْر َبَقَايَا وَطَلَائِعٌ تَحْصَنَتْ فِي الشّوَاهِقِ وَالْجِبَال؛ قَالَ الطّبَرِيّ: وَذُكِرَ أَنّ اللّهَ تَعَالَى أَوْحَى فِي ذَلِكَ الزّمَانِ إلَى إرْمِيَاءَ بن حَلْقِيَا أَنْ اذْهَبْ إلَى بُخْتَنَصّرَ فَأَعْلِمْهُ أَنّي قَدْ سَلّطْته عَلَى الْعَرَبِ. انتهى؛ وَقَدْ أَلْفَيْتُ مِصْدَاقُ هَذَا فِي (سفر إرْمِيَا):
49 - 29: خُذُوْا خِيَامَهُمْ؛ وَغَنَمَهُمْ؛ وَسَتَائِرَهُمْ؛ وَجَمِيْعَ أَدَوَاتِهِمْ وَجِمَالَهُمْ؛ وَنَادَوْا عَلَيْهِمْ بِالْرُّعْبِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ
49 - 30: أُهْرُبُوا سَرِيْعا وَاخْتَبِئُوْا يَا سُكَّانَ حَاصُوْرَ؛ لِأَنَّ نُبُوَخُذْ نَصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ نَوَىً عَلَيْكُمْ شَرُا وَدَبَّرَ مَكَيْدَةً.
وَأَمّا جُرْهُمَ وَقَطُورَاءَ فَهُمْ إخْوَةٌ نَزَلُوْا بِمَكَّةَ عَلَىَ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيْلَ عَلَيْهِمَا الْسَّلَام؛ فَبَغَوْا فِي الْحَرَمِ وَتَنَافَسُوا فِي الْمُلْكَ وَتَحَارَبُو بِهَا فَسَلّطَ اللّهُ عَلَيْهِم الذّرّ وَالنَغَافُ وَأَهْلَكَ بَقِيّتَهُمْ غَرقاً بِسَيْلِ وَادِي إِضَمَ فِي دَارِ جُهَيْنَةَ؛ يَقُولُ ابْنُ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيّ فِي «كِتَابِ الْمَعَارِفِ»: وَمَنْ وُلِد أَرْفَخْشَدْ: يَقْطُنُ بْنِ عَابِرَ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَدَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوَحٍ؛ وَيَقْطُنُ هُوَ: أَبُوْ جُرْهُمَ بْنِ يَقْطَنَ، وَجُرْهُمٍ هُوَ ابْنُ عَمِ يَعْرُبَ؛ وَكَانَتْ جُرْهُمٍ مِمَّنْ سَكَنَ الْيَمَنِ وَتَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ؛ ثُمَّ نَزَلُوْا بِمَكَّةَ فَكَانُوْا بِهَا؛ وَقُطُوْرا بَنُوْ عَمٍّ لَهُمْ؛ ثُمَّ أَسْكَنَهَا الْلَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِسْمَاعِيْلُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ فَنَكَحَ فِيْ جُرْهُمَ فَهُمْ أَخْوَالِ وَلَدِهِ.
¥