وهذا التعريف هو الذي اعتمده ابن تيمية وابن الجزري - رحمهما الله – وغيرهما. [انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 13/ 393، 394، والمنجد لابن الجزري ص 16، 17، وانظر: القراءات وأثرها في التفسير والأحكام لمحمد عمر بازمول 1/ 161.]
الوقفة الثانية: قوله - رحمه الله - في حكم القراءة بالقراءات الشاذّة في الصلاة بأنه مِمَّا اجتمع علماء الأمصار على عدم جوازه فيه نظر، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن في هذه المسألة قولين للعلماء هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد، وروايتان عن مالك: إحداهما: يجوز ذلك؛ لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرؤون بهذه الحروف في الصلاة.
والثانية: لايجوز ذلك، وهو قول أكثر العلماء؛ لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن ثبتت بالنقل فإنها منسوخة بالعرضة الأخيرة، أو بإجماع الصحابة على المصحف العثماني.
وفي المسألة قول ثالث وهو: إنْ قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة - وهي الفاتحة عند القدرة عليها - لم تصح صلاته؛ لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة لعدم ثبوت القرآن بذلك، وإن قرأ بها فيما لايجب لم تبطل صلاته؛ لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها. [انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 13/ 394 - 398، وانظر: كتاب القراءات وأثرها في التفسير والأحكام لمحمد عمر بازمول 1/ 159 - 160.]
ومع هذا فإن القول الذي ذكره ابن عبدالبر ونقل الإجماع عليه هو قول جمهور العلماء، وهو القول الصواب الذي لايعدل عنه، ومن قال غيره فغالط أو جاهل كما قال النووي - رحمه الله -. [المجموع شرح المهذب 3/ 392.]
الوقفة الثالثة: لايُقرأ بالقراءات الشاذة في غير الصلاة على أنها قرآن، ومع ذلك فإننا لانحكم بردها، وإنَّما نتوقف في ذلك، إذ يحتمل أن تكون من الأحرف السبعة، ويحتمل أن تكون من قبيل ما يسمى بالقراءات التفسيرية. [انظر: كتاب القراءات وأثرها في التفسير والأحكام للشيخ محمد عمر بازمول 1/ 157.]
قال ابن جرير الطبري - رحمه الله -: (كل ما صح عندنا من القراءات أنه علمه رسول الله rلأمته من الأحرف السبعة التي أذن الله له ولهم أن يقرؤوا بها القرآن فليس لنا أن نخطيء من قرأ به إذا كان ذلك موافقاً لخط المصحف، فإن كان مخالفاً لخط المصحف لم نقرأ به، ووقفنا عنه وعن الكلام فيه) ا هـ. [من كتاب الإبانة عن معاني القراءات لمكي بن أبي طالب ص 60 نقلاً عن كتاب القراءات لابن جرير الطبري.]
وقال ابن الجزري - رحمه الله -: (فهذه القراءة تسمى اليوم شاذة لكونها شذت عن رسم المصحف المجمع عليه، وإن كان إسنادها صحيحاً، فلاتجوز القراءة بها لا في الصلاة ولا في غيرها) ا هـ[المنجد لابن الجزري ص 16، 17.]
الوقفة الرابعة: القراءات الشاذة لها فوائد متعددة:
منها: أنه يحتج بها، ويعمل بما يقتضيه معناها إذا لم يكن هناك ما يعارضها أو يدفعها، وهي في الاحتجاج بها في حكم خبر الواحد.
وهذا هو رأي جمهور العلماء كما ذكر ذلك ابن عبدالبر - رحمه الله - بقوله: ( ... وهذا جائز عند جمهور العلماء، وهو عندهم يجري مجرى خبر الواحد في الاحتجاج به للعمل بما يقتضيه معناه ... ). [الاستذكار 10/ 190. وانظر: كتاب أثر القراءات في الفقه الإسلامي للدكتور صبري عبدالرؤوف ص 331 - 347 حيث عقد فصلاً بيّن فيه موقف الفقهاء من الاحتجاج بالقراءة الشاذة.]
ومن أمثلة ذلك: قول الله تعالى في كفارة اليمين: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] جاء في قراءة ابن مسعود وأبيّ بن كعب - رضي الله عنهما -: {ثلاثة أيام متتابعات}، وعلى هذا استند جماعة من العلماء فقالوا: إنه يلزم التتابع في صيام كفارة اليمين.
قال أبو بكر الجصاص: (روى مجاهد عن عبدالله بن مسعود، وأبو العالية عن أبيّ: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}، وقال إبراهيم النخعي في قراءتنا: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات}، وقال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم وقتادة وطاووس: هن متتابعات لايجزي فيها التفريق.
¥