2 - وقد قيل فى توجيه قراءة الخفض بعيداً عن كونها معطوفة على الضمير المجرور بدون إعادة الجار أقوال منها:
أ- ما قيل: إن الواو فى (والأرحامِ) هى واو القسم والمقسم هو الله تعالى، ومعلوم أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه وذلك كما أقسم سبحانه بالضحى والليل والفجر والشمس وغيرها من المخلوقات.
ب- وقيل: هو قسم أيضاً لكن على تقدير مضاف محذوف أى ورب الأرحام. [6]
ج- وقيل: هو على تقدير إضمار الخافض، قال ابن خالويه: واستدلوا له بأن الحجاج كان إذا قيل له: كيف تجدك؟ يقول: خيرٍ عافاك الله. يريد بخير.
أو أنه على تقدير: واتقوه فى الأرحام أن تقطعوها، ثم قال ابن خالويه: وإذا كان البصريون لم يسمعوا الخفض فى مثل هذا ولا عرفوا إضمار الخافض، فقد عرفه غيرهم ومنه قول القائل:
رسمِ دارٍ وقفت فى طلله ... كدت أقضى الحياة من خلله
3 - وقيل فى توجيه الخفض كذلك: إن (الأرحامِ) معطوف على الضمير المجرور فى قوله (به)
وهذا التوجيه هو الذى عارضه البصريون وعارضوا القراءة وردوها لأجله؛ لأنها تخالف ما هو مقرر عندهم من عدم جواز عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور بدون إعادة حرف الجر، وحجتهم فى ذلك أن الضمير فى الكلمة جزء منها، فكيف يعطف على جزء من الكلمة؟ وشبهوه بالتنوين وقالوا: كما لا يعطف على التنوين فإنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار.
مناقشة هذا الرأى:
هذا الذى ذهب إليه البصريون فى رد قراءة حمزة (والأرحامِ) ردوا به أيضاً تخريج عطف (المسجدِ) على الضمير المجرور فى قوله (به) وذلك فى قوله سبحانه: ((وكفر به والمسجدِ الحرام)) [7]
هنا ناقش السمين الحلبى هذه القاعدة مناقشة علمية متأنية أنقل هنا أكثر ما قاله لتتم الفائدة، قال السمين: اختلف النحاة فى العطف على الضمير المجرور على ثلاثة مذاهب:
أحدهما: وهو مذهب الجمهور من البصريين: وجوب إعادة الجار إلا فى ضرورة.
الثانى: أنه يجوز ذلك فى السعة مطلقاً وهو مذهب الكوفيين وتبعهم أبو الحسن ويونس والشلوبيون.
والثالث: التفصيل، وهو إن أكد الضمير جاز العطف من غير إعادة الخافض نحو: "مررت بك نفسك وزيد" وإلا فلا يجوز إلا لضرورة. وهو قول الجَرْمى.
وبعد أن ذكر السمين هذه الآراء حول العطف على الضمير المجرور علق بعد ذلك بقوله:
والذى ينبغى أنه يجوز مطلقاً - للأسباب الآتية:
أ- كثرة السماع الوارد به. ب- ضعف دليل المانعين.
ج- اعتضاد ذلك القياس.
قال: أم السماع: ففى النثر كقولهم: "ما فيه غيره وفرسِه" بجر "فرسه" عطفاً على الهاء فى غيره. ومنه قوله تعالى: (ومن لستم له برازقين)) [8] و "من" عطف على "لكم" فى قوله تعالى فى الآية نفسها: ((لكم فيها معايش)).
ومنه قوله تعالى: ((وما يتلى عليكم)) [9] حيث عطف "ما" على "فيهن" أى على الضمير المجرور فيها، وهو يعنى قوله تعالى: ((قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم ……)) ثم قال: وفى النظم منه الكثير، ونقل شواهد عديدة اكتفى بذكر بعضها.
فمن ذلك قول القائل:
أكر على الكتيبة لا أبالى ... أفيها كان حتفى أم سواها
حيث عطف "سواها" على الضمير المجرور فى "فيها" ولم يعد الجار، ومنه أيضاً قول القائل:
إذا أوقدوا ناراً لحرب عدوهم ... فقد خاب من يصلى بها وسعيرها
حيث عطف "سعيرها" على الضمير المجرور فى "بها" ولم يعد الجار، ومنه أيضاً قول القائل:
فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب
حيث عطف " الأيام " على الضمير المجرور فى "بك" ولم يعد الجار.
وقد ذكر السمين من ذلك الكثير ثم قال:
فكثرة ورود هذا وتصرفهم فى حروف العطف ………. دليل على جوازه
وأما ضعف الدليل: فهو أنهم - أى البصريين - منعوا ذلك لأن الضمير كالتنوين، فكما لا يعطف على التنوين، لا يعطف عليه إلا بإعادة الجار.
ووجه ضعفه أنه كان بمقتضى هذه العلة ألا يعطف على الضمير مطلقاً، أعنى سواء كان مرفوع الموضع، أو منصوبه، أو مجروره، وسواء أعيد معه الخافض أم لا كالتنوين. وهذا كلام وجيه جداً من السمين الحلبى.
وأما القياس: فلأنه تابع من التوابع الخمسة فكما يؤكد الضمير المجرور، ويبدل منه، فكذلك يعطف عليه. [10]
¥