تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن خلال ذلك يتضح لنا أن قراءة حمزة (والأرحامِ) عطفاً على الضمير المجرور قبله قد تأيد بأكثر من دليل فتحقق بذلك ما وعدت به سلفاً من إظهار ضعف رأى البصريين فى رد هذه القراءة، وضعف قاعدتهم التى اعتمدوا عليها، وقد أسهبت فى ذلك وفى توجيه القراءة وتخريجها على أقوال وتخريجات أخرى بعيدة عن التخريج المعترض عليه، حتى يكون ما ذكرته فى هذا المثال أساساً أعتمد عليه فى الحكم على أراء النحاة فى رد بعض القراءات الثابتة الأخرى لأبين أنهم لم يستوعبوا فى ردهم لهذه القراءات كل الأوجه النحوية المحتملة فى تخريج القراءة - حيث إن وجهاً واحداً من وجوه العربية تحتمله القراءة يكفى لقبولها مع توافر الشرطين الآخرين - فعلى ذلك قس اعتراضاتهم على القراءات التالية فى الأمثلة التى سوف أسوقها الآن.

المثال الثانى:

قال تعالى: ((وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ أولادهم شركائهم)) [11] بجعل (زين) ماضياً للمجهول، ورفع (قتلُ) على أنه نائب فاعل، ونصب (أولادهم) على المفعولية، وجر (شركائهم) بالإضافة إلى (قتل) وهو من إضافة المصدر إلى فاعله.

وهذه قراءة ابن عامر أحد القراء السبعة.

وقد عارض بعض النحاة هذه القراءة بحجة أنه قد فصل فيها بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف فى غير الشعر، فإن ذلك وإن كان سمجا فى الشعر أيضا إلا أنه يتسامح فيه للضرورة الشعرية.

ومن المفسرين الذين ردوا هذه القراءة الزمخشرى حيث قال فى الكشاف - متابعاً النحاة_:

وأما قراءة ابن عامر ((قتلُ أولادهم شركائهم)) برفع القتل ونصب الأولاد وجر الشركاء على إضافة القتل إلى الشركاء، والفصل بينهما بغير الظرف، فشئ لو كان فى الضرورات وهو الشعر، لكان سمجاً مردوداً، فكيف به فى الكلام المنثور؟ فكيف به فى القرآن الكريم المعجز بحسن نظمه وجزالته والذى حمله – أى ابن عامر – على ذلك أن رأى فى بعض المصاحف شركائهم مكتوباً بالياء، ولو قرئ بجر الأولاد والشركاء، لكان الأولاد شركاءهم فى أموالهم ولوجد فى ذلك مندوحة عن هذا الانكباب. [12]

وعجبت لمفسر جليل له فى قلبى مكان لبراعته فى النقد والتمحيص هو الفخر الرازى [13]، كيف يتعرض لهذه القراءة ولموقف الزمخشرى منها ثم يمضى دون أن ينقده ويرد عليه ولست أدرى هل ارتضى ذلك من الزمخشرى، أم أنه رأى أن تهافت رأيه من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تنبيه.

وأيّاً ما كان السبب، فالحق أحب إلينا من كل حبيب، فقراءة ابن عامر قراءة متواترة، وكان الأولى بالزمخشرى ومن لف لفه فى رد هذه القراءة، أن يصححوا القاعدة النحوية لتمضى مع القراءة، لا أن يردوا قرآناً متواتراً لمخالفته لقاعدة نحوية.

وكلام الزمخشرى فى رده قراءة ابن عامر يشير إلى معتقده فى القراءات وأنها اجتهادية وليست منقولة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - هذا ما ينبئ عنه قوله: ولو قرئ بجر الأولاد والشركاء لكان الأولاد شركاءهم فى أموالهم ……….

يقصد الزمخشرى أنه كان بمقدور ابن عامر أن يعدل عن نصب الأولاد إلى جره بالإضافة إلى "قتل" وإبدال الشركاء منه فيكون المعنى: إن الشيطان زين لكثير من المشركين قتل أولادهم وهم شركاؤهم فى أموالهم.

أرأيت ذلك السخف الذى يرمى إليه كلام الزمخشرى، ولست أدرى هل نبا من علمه أن القراءات نقلية، لا اجتهادية؟ وكيف يغيب ذلك عن مفسر كالزمخشرى له باعه الطويل فى إظهار بلاغة القرآن الكريم؟

إن القراءات سمعية نقلية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست اجتهادية، وقد اتفق العلماء واعتقد أهل الحق أن القراءات السبع - ومنها قراءة ابن عامر - متواترة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إجمالاً وتفصيلاً. بل قال صاحب المناهل: إن الرأى المحقق هو أن القراءات العشر متواترة، وليس السبع فقط. [14] إذا ثبت ذلك فلا اعتبار لما قاله الزمخشرى أو غيره فى تضعيف قراءة ابن عامر وردها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير