تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذه شُبهَة أوهَى مِن بَيتِ العَنكبوت، وتُغني حِكايَتُها عَن رَدِّها، وفسادُها عَن إفسادِها. ومَع ذلك فأقولُ: لقد قال اللهُ –سُبحانَه وتعالى- في كِتابِه العَزيز الذي لا يأتيه الباطِلُ مِن بَين يَديه ولا مِن خَلفِه: (وإن تُطِع أكثَرَ مَن في الأرض يُضِلُّوكَ عَن سَبيلِ الله) [الأنعام: 116]، وقال (ومَا أكثَرُ النَّاسِ ولو حَرَصتَ بِمؤمِنين) [يوسف: 103]. وتأمَل –بَارَكَ اللهُ فيك- آياتِ القُرآن التي وَرَدَت فيها كَلِمَة الكثرة واشتقاقاتُها تَجِدْها جَميعًا –بلا استثناء- تُقَرِّرُ أنَّ القَليلَ مِن النَّاس هم الذين يَتِّبِعُون الحَقَّ ويُطيعون رَبَّهم، وأنّ الكثرة الباقية لا يؤمِنون بالله ولا يَشكُرونَه ولا يُطيعونَه، فتأمَل! فإذَن عَمَلُ الكَثرة ليس دليلاً على أنَّهم أصابوا الحَقَّ، ومِن الأقوالِ الرائِعَة لـ (الفُضَيل بن عياض) -رَحِمَه الله- قولُه: "لا تَستوحش طُرقَ الهُدَى لِقِلَةِ أهلها، ولا تَغتَر بكثرة السالكين الهالكين"، والله المُستعان!

فائدة (1): وأحِبُّ أن أقولَ للقارئ الكَريم: "البِدعَة تُميتُ السُّنَة؛ فما ظهرت بِدْعَة إلا مُحيت سُنَة"، وبِتَطبيقِ هذا القَول على هذه البِدْعَة نَقول: مِن آثارِ هذه البِدْعَة السَّيئة أنَّها مَحَت سُنَةً حَسَنَةً حَثَنَها عليها النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم)؛ حيثُ قال (صلى الله عليه وسلم): "مَن قرأ القُرآن فليسألِ الله به" [حَسن: رواه التِّرمذي]، فيُشرَع للقارئ بعد الفَراغ مِن التِّلاوة أن يتوسَلَ لله بتلاوَتِه؛ فهي تَدخُل في عُموم العَمَل الصالِح الذي يُشرَع التَّوسَّلُ به وسؤالِ الله الحاجات.

ولا يَسَعُنا في الخِتام إلا أن نُرَدِّدَ –دائِمًا- مع القائِل:

وكل خَيرٍ في اتباع مَن سَلَف ... وكل شَر في ابتداع مَن خَلَف

فائدة (2): لقد أفتى بِبِدْعيَّة التزام هذه الجُملَة بعد تلاوة القُرآن مِن أهل العِلم المُعاصرين:

1 - اللجنة العلمية الدائمة للإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية برئاسَة العلامة (عبد العزيز بن عبد الله بن باز) –رَحِمَه الله، فتوى رَقم (4310)، (4/ 118).

2 - العلامة (بكر بن عبد الله أبو زيد) –حَفِظَه الله- في رِسالَتِه القَيِّمة «بِدَع القُراء القَديمة والمُعاصِرَة»، ص 22: 23، طـ مؤسسة قُرطبة بمصر.

ومِن نافِلَة القَول: أنَّه –وإن كُنتُ قد انفصَلتُ إلى أنَّ التزام هذا القول بعد التلاوة بِدْعَة- إلا أنِّي أقول: إنَّ قول الله –سُبحانَه وتعالى- حَقٌ وصِدق، وكلامُه أصدَقُ الحَديث، وهو العَظيمُ –سُبحانَه- على الدَّوام، لا في نهاية التلاوة فَحَسبُ. تمامًا مثلما أنكر العُلماء المُحَقِّقون زيادة لفظة "سيدنا" في الأذان والتَّشهد وصيغ الصلاة على النَّبي (صلى الله عليه وسلم)؛ إلا أنَّهم مُقِرُّون بأنَّ النَّبي (صلى الله عليه وسلم) هو سَيدُنا وسَيدُ آبائِنا وأجدادِنا، وله مِنَّا وافِرُ التَّبجيل والتَّقدير والتَّكريم، كيف وقد قال: "أنا سَيِّدُ النَّاس يومَ القيامَة" [مُتفقٌ عَليه]. بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وآله وأصحابِه وسَلَّم تَسليمًا كَثيرًا، آمين.

اللهمَّ ارزُقنا اتباع شَرع نَبيِّك (صلى الله عليه وسلم)، وجَنِّبنَا الابتداع في الدِّين، وآخِر دعوانا أن الحَمدُ لله رَب العالَمين.

[وفي الحلقة الثانية: نُجيب عَن بعض شبهات أحد الإخوة المُشتركين في "المنتدى العام" بشبكة "الفجر" بشأن هذا البحث -إن شاء اللهُ تعالَى].

سُبحانَك اللهم وبِحَمدِك، أشهد أن لا إلهَ إلا أنتَ، أستَغفِرُك وأتوبُ إليك.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[01 Feb 2004, 11:38 م]ـ

شكر الله لك أخي الكريم محمد بن يوسف هذا البيان، وحبذا لو رق أسلوبك قليلاً مع من يرى الالتزام بها رغبة في دلالة الناس على الخير لا غير، فأنت تعلم يا أخي الحبيب أن النفوس جبلت على النفور ولا سيما في زماننا، فلا بد من أخذها بالكلمة الطيبة ولو كان الدليل معك كما في مسألتنا، فإن الرفق في الأمر بالمكان الذي تعلمه، وإذا كثرت علامات التعجب في الكتابات، وعلامات الاستفهام، صدت المخطاب عن قبولها، وفقك الله، وزادك نوراً وهدى.

ـ[أبو علي]ــــــــ[04 Feb 2004, 09:40 ص]ـ

أخي محمد بن يوسف حفظك الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير